كتبها: مجد بني نمر.   

عندما أنظر من بعيد، أجد صورة استنساخيّة عن واقع نعيشه في فلسطين وأنحائها، فيتفرغ قلبي للحظة التأمل بفكرة السفر لشقيقتها ونصفها الآخر “الأُردن”. يعتقِد شباب اليوم أنّ من المنطق الكبير أن يتشابه واقعهم مع واقعنا. رغم دقة المُساءلة الأولى التي بدت كاستفتاحية لصباح مظلم، لطالما ظننا أنّ من ورائه يسطع النور المليء بانسيابيّة الهواء النقيّ في الروح الثابتة، لكن هنا كانت الصدمة! هل هي صعوبة الحياة مع مجتمع يختلفُ عنا قليلاً؟ هل فلسطين حقاً الملاذ الأوّل، أم أنّها ازدواجية المشهد؟

الصدمات الأولى وصُعوبة التفاصيل الدقيقة

حياةٌ وجدها شابٌ مُغترب، بعد أمل كبير تشبع بخيانة أحدهم لرفيقه المُقرّب بطريقة غير متوقعة، ثم وجد نفسه يَغوص في ثنايا الأمور، كلهجة صعبة مُثقلة بالمعاني، تُثبت مدى الإنتماء بصورة أو بأخرى، كشيخ ملتحٍ تحت قناع الدين، يضع شماعة المُجاملة كمشكاة ضوء، لكنّها تقتُل مساحةً ثنائية متوقعة، صعوبةٌ تدارك مواقف بسيطة، كالقُدرة على تحضير الطعام المنزليّ بالاعتماد الذاتيّ، دون التفكير بالاعتماد المكثف على فكرة الطعام الخارجيّ أو ما يسمى”بالوجبات السريعة “، حاجزٌ بعدم وجود خلفية التحضير.

في ضواحي الخارج، ضيق أم سعة صدر؟ 

صعوبة التأقلم مع الوقت، العالم الخارجي ومدى قَسوة البدايات، العجز عن تكوين صداقات فعّالة برواسِخ ثابتة، تعتمد على مبدأ الثقة المتبادلة بين سُطور العلاقات؛ خوفاً من التكلّم أمام الكبار برأيٍ معاكسٍ يجعله تحت الخطر.

ارتباك الوسط وحوار وهميّ، تفاؤل مبنيّ على فراغ، اقتحام فكري مغاير للمعتقدات الراسخة منذ الصغر، عدم القدرة على إيجاد الوعي الكافي لمُجابهة هذه الظروف والأحداث المُتشابكة، لكن هل حقاً بعد كلّ هذا تكمن فيه القدرة على التأقلم وإيجاد الحُب الودّي، رغم الشهيق المليء بالسواد بعد تلك الضربات؟ كأنه مريضٌ يبحث عن بقايا نفسه بعد فترة من الهَزل، فيقولُ في نفسه عبارة الخاسرين تلك: لا بأس، إنها “استِراحة مُحارب”.

ثقافة التعايش، بين الوهم والحقيقة

إن فِكرة التعايش السلمي في ثنايا الغربة وسيلة لتحقيق معادلة الأمن الأهلي، والذي يُروجُ بشكل راقٍ ومهذّب، لكنّ اللاوعي والانجرار نحو حملات من التوارث الفكري الحاثّ على البغيضة، يُشبه صراع الماضي والحاضر. التقديس لفكرة الأحقيّة باختلاف العِرق، الدور الموحّد وسيادة العشائريّة، صراع الأُصول والمكابرة بطريقة عجيبة على من هم شركاء، معضلة العجز في الوضع الراهن عن إيجاد توافق وتأقلم بين المخيمات واللاجئين من عدّة دول؛ بسبب الاكتظاظ وكثرة المشاكل الاجتماعية، كالبطالة بأشكالها، والفقر الذي يكبت أنفاسهم، الإلتحاق بموكب التشجيع الذي يعتمد كليًا على” العنصرية القومية” ما بين الفريقين الأزرق والأَخضر، وانتشار مبدأ التحريض ودور السيادة بالاهتمام المثالي بالأمن والأمان كما السابق.

انعدم انسيابية المنطق:

إن طبيعة العيش بمرآة وهميّة ملغمة بالانكسارات من أجل الحصول على تعامل نقي أو فيتامين أسود من الداخل، وتسيير حياة مبنيّة على علاقات محفوفة بالمخاطر، هو تماماً كالضّياع في الانحراف الطاغي هُنا.

ويبقى السؤال، هل هُناك حلٌّ جذريٌّ يُحقق السعادة والرضا في رحلة غوص كهذه؟