بقلم الطالبة أنهار فاتوني

أظنّكم تذكرون أنّهُ يومٌ مليءٌ بالحرج، وبالأسئلة التي تبقى عالقة في أذهانكم متجنبة حرج السؤال والتجرد من مظهر الأذكياء، وأظنّكم تذكرون أيضاَ مغامرة البحث عن القاعة، وعدم الكفّ عن استخدام الهاتف، وشعورك بأنك تائه رغم اهتدائك، كمن يبحث عن أمه ولا يجدها. والّذي فاجأني في هذا الشعور أنه يتحوّل مع مرور الأيام إلى شعور عكسيّ، فرغم كلّ التّيهِ الذي نعانيه في زخم الموادّ في السنوات الأخيرة، إلا أنّ حبنا لهذه الجامعة يزداد أكثر، وانتماؤنا لمقاعدها يتأصل أكثر، وضياعنا فيها يجعلنا نشعر بالاهتداء لأنفسنا بشكلٍ أعمق.

أوّل ساعة في الجامعة 

كانت محاضرتي الساعة العاشرة، وقد وصلت إلى الجامعة في تمام الثامنة، كنت أبحث عن “مجلس الطلبة” لأشتري منه “تلخيصاً” لمحاضرتي الأولى، فقد كان يروقني منظر الطالبة المجتهدة في أول يومٍ لها، ولم أعلم أنّ لقب “نيردة” سيُطلَق عليّ، رغم أنني لا أعرف شيئاً من محتوى تلك الأوراق التي أحملها. المهم لم أكن أعرف أين يقع مجلس الطلبة، فسألت شاباً كان يقف مقابل كلية الهندسة عنه، وبعدم انتباهي لنظرته الماكرة صدقته حين قال :” 50 متر لقدّام” وأشار بقسوة لجهة كليّة الآداب.

المحاضرة الأولى 

لا شيء أسوأ من مغامرة البحث عن القاعة حين تكون وحدك، فالباب المكتوب عليه “push” سترى المكتوب عليه “pull”، وقد تنسى معنى أحدهما، ولا شيء سيحرجك أكثر من ألّا تدرك أن هناك طوابق أرضية في الكلية، فتصعد الدرج مرتين لتصل قاعة 225 في كلية الهندسة بينما تكون مقابلك حين تدخل الكليّة، وبسبب المتاهة التي دخلت بها، وخوفك من أن تسأل أحدا عن القاعة ويمكر بك كما مكر من قبله، ستدخل محاضرة ال (45) دقيقة بعد نصف ساعة من ابتدائها، أذكر أن الدكتور رمقني بنظرة معناها “مرقتلك ياها المرة، مرة تانية بتنطردي”، لكنه قال: “بدري!، المحاضرة بدأت من نصف ساعة!”.  فقلت ممازحة-بابتسامة- لأنقذ نفسي من الموقف: “انتوا إللي مبلشين بدري نص ساعة، تعيدوهاش”.

لا أعرف كيف استقبل سخريتي بصدر رحب، بعد أن ظننته سيطردني مستدعياً وليّ أمري. بعد أن جلست، فوجئتُ بأحد الطالبات “الشاطرات” تنظر إليّ عن بعد 2 متر نظرة اشمئزاز لأنني أضعت 3 دقائق من المحاضرة.

الاستراحات

سأعترف بأنني في أول يوم جامعي تأملتُ السماء والشجر والطيور والملابسَ والموضة حتى اكتفيت. وفوجئتُ بأنّ مواعيد استراحاتي بنفس مواعيد محاضرات القلّة القليلة الذين أعرفهم في الجامعة، وما إن رأيتُ مقعداً فارغاً حتى تشبثتُ به طيلة الساعتين، اكتشفتُ أنّ موضة الـ”tiger” كانت مسيطرة في تلك الفترة وأن هناك فتيات ابطأ مني بالمشي بينما كنتُ أظن نفسي الأبطأ على الإطلاق، وأن النظارة الشمسيّة تصلح  للبعض حين يكون الجوّ غائماً كليّاً .

سيظل هذا اليوم عالقا في ذهني الى الأبد، فهو اليوم الأول الذي أكون فيه وحدي، مستقلة، دون أمي، مع أنني شعرتُ بالاحتياج لها خلاله، هو اليوم الذي تُهتُ فيه لأهتدي، وضعت لأجد، وجلستُ وحدي لأتأمل.

أخبرنا عن يومك الجامعي الأول، كيف كان؟