دائما ما كنت أسمع عن الطلبة الذين يدرسون خارج البلاد عن طريق التحاقهم بمنح التبادل الطلابي، أو من يمثلون فلسطين بمؤتمرات وندوات دولية. لذلك قد أصابني الفضول للتعرف عليهم وسماع قصصهم، فالسفر جعلهم يخوضون تجارب غنية وممتعة أخرجتهم من قوقعتهم لينفتحوا على شعوب وعوالم أخرى.

فتجربة السفر قد تعرفك على شخصيات عالمية مهمة ومؤثرة، تضيف لتجربتك، وتغير من تفكيرك ورؤيتك للحياة، فقد حدثتني طالبة الصحافة والإعلام أسيل دزدار،عن أحد أشهر متحدثي التنمية البشرية في العالم تود وينستون“، تقول أسيل ”عندما رأيت رِجل تود الإصطناعية وأدركت أنه تسلق بها جبالا عديدة حطم فيها الرقم القياسي لتسلقها، بينما نحن ” المكتملين جسديا“ لم يستطع العديد منا لا أن يغير العالم بل أن يغير نفسه، حينها فقط، أدركت مدى الخيبة التي نحن فيها“.

إن اختيارها من قبل المجلس الأعلى للشباب والرياضة  لتشارك في محور القراءة الإلكترونية أم الورقية في مؤتمر الشباب الدولي للعالم في البحرين، سنح لها بالتعرف على أهم الشخصيات الإعلامية العربية ومخترعات عربيات بالإضافة لأشهر صانع للخدع السينمائية ”زاك كنج“.

تقول أسيل إن هذه التجربة أبصرتها مدى ثقافة وتميز شعبنا الفلسطيني، سواء على مستوى الطلاب الذين شاركوا في المؤتمر أو الشخصيات البارزة كالكاتب الفلسطيني الكندي ”شاكر خزعل“ والسفير الفلسطيني ”طه عارف“، على عكس ما توقعته من الدول الثانية التي قد تعيش ظروفا سياسية وتعليمية واقتصادية أفضل.

%d8%a7%d8%b3%d9%8a%d9%84-%d8%af%d8%b2%d8%af%d8%a7%d8%b1

”في اسبانيا لن تشعر بالغربة“

لم تشعر راية بالغربة هناك، فسكان مدينة ”بلباو“ على أتم معرفة بالقضية الفلسطينية، وقد دفعهم حبهم الكبير للفلسطينيين لعمل حملات مناهضة للاحتلال الإسرائيلي وتدعم قضيتنا.

 بالنسبة لطبيعة إسبانيا تقول راية ” تشبه المدن الإسبانية الجنوبية بلادنا كثيرا من ناحية الطبيعة والمناخ، فتجد هناك البيوت القديمة والأزقة الضيقة التي ذكرتني بالتاريخ والحضارة الأندلسية“.

عبرت عن حبها لطباع الشعب الإسباني، لتصفهم بأنهم ”شعب خدوم ومحب للمساعدة، يتميز بالروح المرحة وحبهم للانبساط والاستمتاع بالحياة“. كما لاحظت عليهم استخدام كلمة ”ترانكيلا“ بكثرة وتعني ”اهدأ“، فحلهم للمشاكل وإنهاء التوتر يبدأ من هذه الكلمة.

راية رواجية طالبة هندسة كمبيوتر، أتيحت لها الفرصة لتدرس 6 أشهر في جامعة ” ديوستوف“ الإسبانية، من خلال منحة Erasmus+.

أبدت راية إعجابها  بالنظام التعليمي هناك، فأول ما قالته ”العلامات مش مهمة، وتجميعهم مش تعجيز“، فأهم أولويات أساتذتهم هو فهم الطالب للمساق وليس تحصيل العلامات، كما يعتمد الأسلوب المتبع هناك على العمل الجماعي وعلى الوظائف العملية بالإضافة إلى الاختبارات النظرية. وتصف العملية الدراسية بأنها ”عملية تشاركية بين الطالب وأستاذه، فالطالب ليس مستقبلا فقط للمعلومات، والأستاذ ليس المرسل الوحيد لها، بل العكس صحيح“، ففي نهاية كل أسبوع يتم تخصيص محاضرة لمناقشة المشاريع أو الاستفسار أو طرح حلول وأفكار معينة.

13939498_1166697320068022_1608703702837956834_n

”حكايا وقصص تشبه الأفلام“

طالبة الصحافة والإعلام  ”تقى حنون“ تحدثني عن رحلتها إلى اسطنبول مع  مبادرة سلسلة تنوين الشبابية، ” لم تكن تجربتي أقل إثارة مما توقعت فتجربة السفر مع مجموعة كانت جميلة، ورغم أنها لم تكن الأولى،  إلا أن هذه التجربة أغنت سابقاتها و أضافت إليها الجديد“.

اشتملت المبادرة على وجود شخصيات عربية، فلسطينية و سورية، قامت بمشاركة تجربتها في الدراسة و السكن في الغربة، بالإضافة إلى استضافة باحث و مختص في شؤون القدس و المسجد الأقصى يعيش هناك.

كانت لقاءاتهم المسائية مع الشباب و الباحثين حسب وصفها ”عالماً آخر وحكاياتهم التي تشبه الأفلام أحيانا“. فالتجارب التي سمعتها جاءت من رحم المعاناة في غزة و سوريا، بالإضافة إلى المعلومات الجديدة التي تعلمتها رغم أنها فلسطينية، كبعض الحقائق عن المسجد الأقصى و القدس .

وتعتبر تقى  رحلة السفر بكل ما تحويه من متعة أو مشقة ، خصوصاً في ظل التجربة التي يخوضها الفلسطينيون عند كل مرة يهمون بها للخروج من بلدهم سواء عبر الأردن أو مصر، تجربة غنية و مفيدة و تستحق أن تحيا .

%d8%aa%d9%82%d9%89-%d8%ad%d9%86%d9%88%d9%86

”التعليم في السويد يحفزك على التفكير والبحث“

وننتقل إلى السويد لتحدثنا لمى عمرو، وهي طالبة الإدارة والأعمال في جامعة بيرزيت، عن تجربتها الدراسية هناك، إذ تم اختيارها لدراسة فصل كامل في جامعة “يافلا” السويدية لمدة ستة أشهر، عبر منحة  Linnaeus Palme  والتي ترعى التبادل الطلابي بين الدول النامية والدول الأوروبية.

أضافت هذه التجربة الكثير إلى لمى، سواء من ناحية التعرف على ثقافات متعددة وأناس من جميع أنحاء العالم، أو تقبل اختلاف النظام التعليمي ونظام الدولة ككل ليشمل المواصلات والسفر وطريقة العيش، وطبيعة وثقافة الشعب السويدي نفسه، كلها عوامل ساعدتها على توسيع مداركها المعرفية وزيادة ليونة التصرف مع ما قد تواجهه مستقبلا من أحداث.

تقول ”ما لفت نظري هناك أن الشعب السويدي شعب هاديء جدا ومنطوٍعلى نفسه، ويحترم الخصوصيات بشدة“، أما طريقة العيش فهي مختلفة تماما عن تلك التي في بلادنا، فالمواصلات والسفر والحجز والدفع وكذلك التعليم يعتمد بشكل كبير على النظام الالكتروني.

ولأجل كسر الحاجز بين الطلبة السويديين والطلبة من جنسيات ثانية، خصصّوا يوما  سمّي ب international dinner، حيث جلب كل طالب طبقا شعبيا يمثل دولته، لتغيير أي صورة نمطية خاطئة رسخت في أذهانهم عن الشعوب من وسائل الإعلام وغيرها، وأكدت ” إن مثل هذه الأنشطة قد نجحت في تغيير فكرة البعض أن العرب هم أشخاص منغلقون ولا يتقبلون ثقافة الأخر“.

كما أبدت لي إعجابها بنظامهم التعليمي قائلة ”يعتمد نظامهم بشكل أساسي على كتابة المقالات والأبحاث، بالإضافة إلى المشاريع التي تعتمد على العمل الجماعي“، وتصف تعليمهم بأنه يرّكز بشكل أساسي على مجهود الطالب نفسه وليس على الأستاذ، فأسلوبهم يحفزك على البحث والتفكير للوصول إلى المعلومة.

وتنهي ” أتاح السفر لي فرصة الانخراط  بعوالم مختلفة واكتشاف أماكن جديدة، ما ولّد لدي الكثير من الأفكار التي أود تطبيقها في بلدي الأمّ يوما ما“.

%d9%84%d9%85%d9%89-%d8%b9%d9%85%d8%b1%d9%88