حينَ كنتُ مغادرةً للجامعة في اليومِ الذي تلى من إعلانِ (ترامب) القرار الذي خصَّ القدس، أغمضتُ عينَيّ وفكرتُ كيف ستكونُ المشاهدّ الملحميّة غداً إثر الإعلان كردِّ فعلٍ عليه، تبلورت مشاهدُ مُناوشاتٍ كثيرة وأعدادٌ هائلة من الشبان يحملون أسلحتهم البيضاء ويمارسون الكرّ والفرّ قُبالة العدو في الطرف الآخر. استفقتُ من غفلتي للحظة، ونفضتُ عثار الأفكار وغبارها وتبسمتُ بيأسٍ؛ لأنَ الواقعَ يختلف؛ فأنا في زمن الحداثةِ وقد ولّى زمن التسعينيات، ولّى ضربُ الحجارةِ، ولّت الأعداد المهولة من الشباب، بضعُ عشراتٍ في هذا الوقتِ كافية لتقولَ أنّا مقاومون. فكرتُ لهنيهةٍ ثالثة وارتأيتُ أن أنظرَ إلى الأمورِ بأبعادِها الأخرى، أنتِ ضعيفةٌ هشّةُ الجسد لا تستطيعين المُواجهة، لكنّكِ تجابيهن ما يحصلُ بالقلم والورقة، بالحرف والكلمة، ومن أولئِك أيضًا مَن يُجابه ما يحصل بصرخةٍ أو بكلمةٍ أو بلوحة. تأكدتُ من ذلك أثناء مقابلتي في ذاتِ اليوم مع فؤاد اليماني صاحبِ الريشة المُقاومة، والرسومِ المعبّرة، والنظراتِ المُتحدية.

 من هو فؤاد اليماني؟

شابٌ كغيرهِ مِن الشباب الفلسطينيّ، يقطنُ في مدينة رام الله، ويدرُسُ الفنون البصريّة المُعاصرة، ما يميّزهُ عن غيرِهِ ريشتُه التي انطلق بها راسماً كلّ ما يدورُ في رأسه عن كلِّ شيءٍ حوله، الدفاترُ والورق، الحيطانُ والأبواب! دفعهُ الشغفُ ودعمُ والديه للاستمرارِ قُدُماً وتطوير ذاته وموهبته، أحبَّ الرسمَ منذُ نعومة أظافره، واستمرّ على هذا الحال حتّى اللحظة، جعلَ الرّسمَ لديه أسلوبُ حياة، إنْ أرادَ أن يتعرفَ ويعرفَ، يعبِّرَ ويتكلم، يرى ويسمع، فالرسمُ سلاحهُ وأسلوبه الأجدى.

 

ما يُميّز لوحات فؤاد عن غيرها

لا يرسُمُ فؤاد لنفسهِ فقط؛ ففي كلِّ رسمةٍ من رسوماته حكاية تروي قصصَ الوطنِ بِحُلوِها وَمُرّها، وكما أنّ الحرف أبلغُ من الكلامِ في بعض الأحيان، فلوحاتُ اليماني قصصٌ كاملة تُختزلُ فيها كلّ معاني الوطنيّة والصمود، الفرح والألم، الانتصار والخذلان على حدٍّ سواء.

إنجازاتٌ كُثر

فكرتُ بأسئلة كثيرةٍ عند مقابلتي لفؤاد، تذكرتُ سفريَّ الأولَ خارج الوطن لتمثيل فلسطين ورفعِ اسمها بين الدول الأخرى في أحد البطولات الدّولية، تذكرتُ تَلهُف العديد من المشاركين للتعرّف على فريقي وزيادة المعرفة حولَ وضع البلد الحقيقي، هل هو كما يرويهِ الإعلام أم عكس ذلك، أيقَنتُ حينها كمًّا من معلوماتٍ مغلوطةٍ تتناقل بين هؤلاء عن غير علم، شرعنا شارحين لهم الحال لدينا، ومبينين الوقائع على حقيقتها، فسألتُ اليماني هل سافرت وشاركت في مسابقاتٍ دولية؟ أجابني بالإيجاب، أخبرني أنهُ سافر بدايةً إلى سلوفاكيا للمشاركةِ بمهرجانٍ دوَليّ للرسم سنة 2012 برعايةٍ من منظمة الصّحة العالميّة، حصل فيه على المركز الأول، وكان قد سافر أيضاً إلى المملكة المغربيّة سنة 2016 وفاز في مهرجانٍ آخر بالمرتبة الرابعة على مستوى الوطن العربيّ، شعرتُ بالحبورِ والرضى هُنا، لقد نجح في رفع اسم الوطن، ومن المؤكدِ نجاحُه في الإجابة عن أسئلة العديد من المشاركين هُناك حول ما يحصُل هنا، واثقةٌ من اكتسابه لقلب الجماهير ولجنة الحكم بسحر ألوانه ولوحاته الناطقة.

أنشطةٌ أُخرى

أخبرني فؤاد أيضًا أنّهُ يحبُ أن يكون مُنتجًا، يصنع شيئًا لأجل الوطن لا مُجرد مستهلك، اليمانيّ شابٌ شغوفٌ محبٌّ للعمل التطوعيّ؛ فهو متطوعٌ في مؤسسة تامر للطفل منذ عدة سنوات، ليس هذا وحسب، فقد شكّل فريقًا فنيًّا صغيرًا، يعلمهم ويتعلم منهم، ينقل إليهم معرفته وينقلون إليه ما يعرفون؛ لتكونَ الريشةُ سلاحاً آخر يتناقله هؤلاء من جيلٍ إلى جيل.

أما أنا فأُيقنُ اليوم أنَّ القتالَ في حبِّ الوطن لهُ أشكال أحدُها الرّسم! فما طريقتُك أنت ؟!