تتوالى الأيام، وتمرُ بنا حالاتٌ بأشكالٍ وألوان، تتدفقُ – كما يتدفق الماء – إلينا بالكثيرِ من الصورِ المزخرفة، بطريقةٍ عشوائيةٍ لا نتخيلُها إلا بعدَ فواتِ الأوانِ الذي نحدق في تفاصيله المشبعة، بالكثير من اللاشيء، عند عدمِ القدرةِ على الوصولِ لمرحلةٍ من الإرتواءِ القلبي، أو مساماتٍ من الهواءِ النقي، لأرواحِنا المثقلةِ بالهموم.

التفكير أثناء الاستحمام:

هي فكرةٌ رائجةٌ جداً في هذا العالم الكئيب، نبحثُ فيها لنجدَ أنفسَنا على انفرادٍ للحظات، في أيامنا التي تتطلبُ الكثيرَ من التفكيرِ العاطفيِّ بالدرجةِ الأولى؛ مما ينمي فينا العواطفَ التي لطالما دحرها العالمُ الكئيب، الاستحمام… اللحظة التي نكون فيها وحيدين ،ندشن الألحان بشجوِنا للبداياتِ المستهلكةِ لطاقاتنا الرهيبةِ الضائعةِ دون استغلالٍ مثاليٍّ أو أقل من ذلك! ،فنفكرَ ونفكرَ، ودونَ نتيجةٍ… إلا بعضُ النادرين.

ما هو التنفسُ المائي؟وهل هو راحةٌ ذهنيةٌ أم عادةُ التلاشي؟

هنا، الوقت الأمثل للتفكير، تحت الماء مباشرةً دون حواجز، يغمرُنا بكلِّ انسيابية، يلتهمُ عقلَنا ويجددُ الروحَ ربما دونَ إدراك ، التنفسُ المائيُّ _كما نعرفُه نحن البشرَ_: توافقُ الماء مع التنفس، فشهيقٌ مع الماء يندفعُ بسرعةٍ على وجوهِنا، ثم زفيرٌ بكل قوةٍ مع الماء كانطلاق السهمِ بعد رجوعِ يشبه مقولتَنا عن أي بطل، أو عن أسطورة “يمرض ولا يموت” ، نطلقُ كلَ جراثيمِ أرواحِنا، والسمومِ التي توغلتْ في أزقةِ أفكارِنا، ثم نحدقُ بالمرآةِ المقابلةِ، وننظرُ بعيونِنا دونَ تأملٍ بالوجهِ الأول، كي لا نُسقطَ على أنفسِنا الغضبَ، ونحاكيَ الحاضرَ بحيويةٍ أكبر.

العلم وتحليلاته المنطقية العميقة:

بعد الكثير من التحليلات والأبحاث، تم إيجاد سببٍ علميٍ، عن طريقِ باحثةِ علمِ النفس ِمن جامعةِ هارفاردِ البريطانية، شيلي كارسون في كتابِها “عقلك المبدع”، وهو أن الماءَ الحارَّ يساعدُ على تدفقِ مادةِ الدوبامين، التي يفرزُها الدماغ، والتي تؤثرُ على الأحاسيسِ والسلوكياتِ ،أخصُ التركيزَ والإنتباه، إضافةً إلى قدرة الماء الساخن في المساعدة على استرخاء الجسد،مما يساعد في تصفية الذهن، والولوج نحو التفكير العميق وتوفر الظروفِ التي تعمل على تهيئةِ الوضع بدقة، وهنا، يتفق العلم فعلياً مع تفكرينا المسبق المتعلق بالذات. و كشفت أبحاث علمية أن الأفكارَ الإبداعيةَ عادةً ما تأتي أثناء تأدية أنشطةٍ رتيبةٍ، لا تحتاج إلى مجهودٍ ذهني كبير، أو تفكير طويل، مثل: الاستحمام، أو ممارسةِ التمارينِ الرياضية، وأرجعت الدراسات السببَ وراء ذلك، إلى التحرر من التفكير الواعي، واطلاق العنان للتفكير اللاواعي وأحلام اليقظة، مما يؤدي إلى إراحة الفص الجبهي، الذي يُمثل مركزَ القيادةِ في الدماغ، للقرارات والأهداف والسلوك، والانتقال إلى ما يُسمى بـشبكة الوضع الافتراضي، فتظلَّ نشطةً عند عدم تأدية نشاطٍ يحتاج انشغالًاً ذهنيًاً وتفكيرًاً واعيا، مما يُتيح لنا الفرصة للوصول إلى أفكارٍ إبداعيةٍ جديدة، قد يهملُها العقلُ الواعي في وضعه الطبيعي.

نهايةُ المشهد، وماذا ترسم لك مخيلته:

انطوائية مستمرة، أم حالةٌ من الصفاءِ الذهني المؤقت، لأن الحياة لا يمكن أن تمتعَنا بذلك الصفاء دائما، ولكن، يمكننا التأقلمَ بعد الكثير من الانثناءات، لكن، يجب أن نجدَ التوافقَ بين مخيلتنا والواقع المحيط، رغم الغموض… لا تكن شخصاً مبتذلا، “إعمل ما تحب لتحب ما تعمل” وهذا بين الأفق.