لِنقُل أنك دخلتَ السنة الأولى في الجامعة وانت غير مُدرك لما يجري حولك، وأنك مثلَ طفل صغير يبحث عن أمّه، كما كان ذلك اليوم شبيهاً ليومك الأول في الروضة، فماذا لو اخبرتكَ أن امّك كانت وما زالت موجودةً معك في هذا اليوم، همُّها الوحيد ان لا يطلق عليك أحد “سنفور” وأن لا يَضَعَ في عقلك كلّ تجاربه السيئة التي حدثت معه في سنواته التي قصاها في الجامعة، ها أنا اليوم أخبرك عن هذه المرأة التي ستكون معك في كلّ يوم من سنواتك الاربع، ولربما ستراها أكثر مما  ترى أمّك التي وضعتك طفلا وقضت حياتها في مساندتك.

غادة العمري، كما كنتُ وما زلت اقول: “هي أُمي الثانية” ثلاث تجارب كادت تكون كافية بأن تَصنع منّي شخصية ًتعاونية، ابتسامة ثغرها كانت كفيلة بأن تضعَ الأملَ في عيون كلّ طالب من طلاب الجامعة، فلو اجتمع عليها شُعراء العصور لما استطاعوا ان يجِدوا لها شِعرا يصف جمال روحها.

مُنسقة العمل التعاوني في “جامعة بيرزيت” بدأت العمل منذ 23 سنة في هذا المجال، وما إن أدركت أهمية هذا المنصب حتى عملت على مُعاملة كلِّ الطلاب كأبنائها ولربما أكثر من ذلك. على مدار سنة كاملة تتميز الجامعة عن غيرها من الجامعات بِطرح قضيّة العمل التعاوني، فعدد الأعمال التعاونية خلال سنة واحدة يمكن أن يصل الى 1000 عمل وربما أكثر موزّعة على 13 ألف طالب.

” كأم يا دوب تعرف تتعامل مع ابنائك الستة فما بالك مع 13 الف ؟”

تفتتح كلَّ خِطاب لها “3\2 منكم مش جايين عشان ياخدوا ساعات عمل تعاوني ” فتسمعُ همسات وضِحكات خفيفة بين الطلاب فيما بينهم ” فاهمة الموضوع غلط” ..، ولكنها على مستوى عالٍ من الإدراك، فهي تعرف سبب مُشاركة كلّ واحد فينا، فلا تستخفّوا بهذا العقل، لأنّ أمك التي تقول لك إن غَرضك الشخصي موجود في ذلك المكان ولا تجده وعندما تقوم بالبحث عنه بنفسها فتجده على الفور، يستحيل ألّا تتفوق عليك بتفكيرها مهما كان مستواكَ العقلي.
كتجربة عشتها على مدار 11 يوم معها أدركت ما معنى “3\2 منكم مش جايين عشان ياخدوا ساعات عمل تعاوني “، فأنتَ إذا فهمت المعنى المخفي من العمل التعاوني سيجعل منك شخصا قادراً على التفكير في كلّ الظروف.
رأيتُ فيها ما لم أره بغيرها، تعلمت منها ما عاد عليّ بالنفع كطالبة تريد ان تُصبح شيئاً مُهما في هذه الحياة. أردت ان أكتب في مقالي هذا ما تقوله ابنتها عنها، ولكن ما أراه انا فيها اعتقد أنّه أعظم مما تراه هي، فكلُّ واحد فينا يرى أمّه لا مثيل لها في هذه الحياة، فما بالُك بأن ترى هذه السيدة بمثل هذا الوصف ؟