تقولُ د.رشيدة مهران في كتابها “ياسر عرفات الرقم الصّعب”: حين التقيتُ ياسر عرفات، لم يسَعني إلا أن أحنيَ الرأس احترامًا له؛ فَفي كيانه الدقيق تَتمثلُ الأسطورة، أسطورةُ الوجودِ الحيّ النابض البارز الذي يحفر اسمه بأحرفٍ بارزة على أرض الواقع”.

ياسر عرفات بين الآمال و الآلام

اختصرَ هذا القائدُ العظيم في شخصِه كل آمالِ وآلام ومعاناة وأحلام الشعب الفلسطينيّ، يقينهُ وصمودهُ وإيمانهُ، حتى خرجَ بذلك عن حدود الإنسان الطبيعيّ. ياسر عرفات، واسمهُ الحقيقيُّ مُحمد عبد الرؤوف عرفات القدوة الحُسيني، أحد رموز حركة النضال الفلسطينيّ، إضافةً إلى أنَّه:

  • رئيسُ السُّلطة الوطنيَّة الفلسطينيَّة المُنتَخب في عام 1996.
  • تَرأَّس منظمة التحرير الفلسطينيَّة سنة 1969.
  • القائدُ العام لحركة “فَتح” التي أسَّسها مع رفاقه في عام 1959.
  • كرَّس معظم حياته لقيادة النضال الوطنيّ الفلسطينيّ مُطالباً بحقوق الشَّعب الفلسطينيّ.

في شخصِه يكونُ القائدُ وتكمن القضيَّة ويعيش الثائر، ويبرزُ الوجود المميَّز له! في شخصِه الشوقُ والحنين، الهدوءُ والمرارة، المعاناةُ  واليقين، فيها السَّخط والإدانة للعالَم، والكثير من الحنكةِ والقلق والطَمأنينة، لقد حمل متناقضات المعاني، هذا الرَّجل بحدِ ذاته عالَم!

لا أخشى أنْ يتَّهمَني أحدٌ بالمبالغة أو الحماس الزائد، فكلُ الصفات التي طرحتُها دعمَها التاريخ، فأصبح بكيانه أسطورةً، لا معجزةً فقط، فالمعجزةُ مُؤقّتة لا تدوم، أمَّا الأسطورة فهيَّ متناقِلَة، يطمحُ الناس لتمثيلِ خُطاها.

نجاحاتٌ وإنجازات

حرَص عرفات في هذه المرحلة على تعزيز العلاقات الفلسطينيَّة، مع كل من يجدُ لديه أُذنًا صاغيّة وبابًا مفتوحًا أو شبهَ مفتوحٍ، فيتحركُ بنفسه ويرسل مَبعُوثيه إلى كل بقاع الأرض، يُقضي وقتًا طويلاً في رَحلاته إلى العواصم المؤثرة في العالَم، عَمِل على توثيق العلاقات مع الاتحاد السُوفييتي والصين والهند ودول افريقيا وأميركا اللاتينيَّة، وبَنى تحالفاتٍ مع كثير منها.

أزهرَ ياسر عرفات بكثيرٍ من النجاحات السياسيَّة للثورة الفلسطينيَّة، وخاصةً حين ألقى خطاباً أمام الجمعيَّة العامَّة في الأمم المُتحدة، والتي قال فيها عبارته الشَّهيرة:” جئتُ حاملاً غصنَ الزيتونِ في يدٍ، وفي الأُخرى بندقيَّة الثائرِ، فلا تُسقطوا غصنَ الزيتونِ مِن يَدي، الحربُ بدأتْ مِن فلسطين، ومِن فلسطين سَيوُلَد السَّلام “.

 

مِنَ الثورةِ إلى السُّلطةِ ومنها إلى الشَّهادةِ

في عامِ 2001، ضربت إسرائيل حصاراً مشدداً على “أبي عمار”، لم يغادر حينها مقره في رام الله، مع أنَّ جيشَ الاحتلال الإسرائيلي حاصره أشهراً طويلة.

ومع الإصرار الذي كان في مواقفه السياسيّة فإنَّه، من الطبيعيّ أن يتلقّى ردودًا شرسة على هذا الصمود، فبعدما حُوصرَ قرابة الثلاثِ سنوات في مقر المقاطعة، وهددته الحكومة الإسرائيلية بالقتل مرات متتالية، وبعد أن اقتربتْ من جدار غرفته، كان له جوابًا مدويًّا: “شَهيدًا شَهيدًا شَهيداً، هذا دربي واختياري مُنذ عقودٍ طويلة، ستمنَعون الشمسَ والهواءَ عني لنْ أتنازل، ستحجِبُون عني الدواءَ والغذاء، اللهُ خلقَني ولن ينْساني، القُدسُ مطلبي، وركعةٌ في المسجد الأقصى المبارك غايَتي التي لا تناظِرُها غاية، الطريقُ طويل، لكنَّ النفس أَطول والهجمَةُ الشَّرِسةُ تُقابلها إرادةٌ حديديَّة”.

حتى جاء اليوم الذي صُعِقَ الفلسطينيون فيه بِخبر تدهور صحة الرئيس ياسر عرفات، فخُروجه للعلاج خارج الوطن لم يكن مستحيلاً، لكن عودتُه كانت أقربَ إلى المُستحيل، ولا أظنُّ أنَّ مواطنًا واحدًا لمْ يأخُذ يتضرَّعُ إلى اللهِ بشفائِه.

تُوفيَّ ياسر عرفات حاملاً في قلبه كلَّ الحبّ من شعبه قبل أنْ يكون حاملاً أيَّ مرضٍ في جسده، وقد تمَّ الإعلان عن وفاته من قِبل السُّلطة الفلسطينيَّة في الحادي عَشَر مِن تِشرين الثّاني للعامِ ألفيْنِ وأربعة.

 

أبو عمار كانَ كالفراشة، و أثرُ الفراشةِ كما قالِ مَحمود دَرويش:

” لا يُرى ولا يَزول”.