كتبتها: فدا غبون

 

لا يُفارق زيت الزيتون طعامَنا، نعتادُه حتى نُصبح كَشجرة الزيتونِ؛ بصلابتها، وتجذّرها، بعطائِها وخضارِها الدائم، حتّى أنّ “سندويشات الزيت والزعتر ” لم تُفارِق حقائبنا المدرسية منذُ أن كُنّا صغاراً، كانت تكبُر معنا دونَ أن نلحَظَ ذلك أو نملّ منه.

لكل شيءٍ حكمة من وجوده، ولِكثرة أشجارِ الزيتون في فلسطين حكمة، مفادُها أن تمدّنا من صلابتها وقوتها، ما يمكّننا من تحمّل و مُواجهة ظُروفٍ، شاءَ القدَر أن نمرّ بها، فمنها نتعلّم الصبر والتجذّر بالأرض.

مع بداية شهر تشرين الأول يبدأ الفلسطينيون في كُلٍّ من الضفة، والقطاع، والداخل المحتل بِقطاف الزيتون، والذي يراهُ الكثيرون موسِماً للعائلة، حيث يجتمِع ويتشارَك كلّ أفراد العائلة من الصغار الأكثر حماساً للموسم، الى الكبار المُشتاقين لطُقوسه، فيَرتدي الجميعُ ملابِسَ قديمةً تتّسع لِلوحة زيتيّة، وينطلقونُ صباحاً ليبدأَ قطفُ الزيتون، بتعاونٍ وطقوسٍ جماعية وأدوارٍ موزعة.

وهُناك في المناطق القريبة من الإحتلال والمُستوطنات من يَرونه موسماً للصّراع على الأرض، وإثباتاً للوُجود، فرُغم الإنتهاكات التي يتعرّضُ لها الفلسطينيون في هذه المناطق، من قِبَل الصهاينة، فهُم يواصلون موسِمهُم بثبات،حتّى أنّ هذه الإنتهاكات تُعزّزُ ثباتّهُم وكأنها فرصة لنقول للمحتل بأننا باقون ما بقيّ الزيتون، وأننا أحياءُ رُغم كل محاولاتِ طمسِنا.

البَعض يُذكّرهم تشرينُ الأول بأرضٍ وأشجار استولى عليها الإحتلال، فيكونُ موسمُ الزيتون بالنّسبة لهم أشجاراً في الذّاكرة، وأملاً يتجدّدُ بالعودة، فكم هي كبيرة المساحات التي استولى عليها الاحتلال  وحرمَنا من عطائِها، فصارَت أحلامُنا تقفُ عند تلك الحدود تُحاول في كلّ مرّةٍ اختراقَها، ولا بدّ أن تفعل يوماً .

ويَرى الفلسطينيون في قطاع غزّة المُحاصر، موسم الزيتون من زاويةٍ أخرى، فهُو يُمثّل فرص عملٍ مؤقّتة لكثيرٍ من العاطلين عن العمل، فيوفّر لهم من٣٠-٤٠ شيكلاً يوميّاً، للعامِل الواحِد، وهي جيّدة بالنسبة لهم، فهي تُعينُهم في توفير مصروفهم من جهة، وتساعد في تلبية متطلبات العائلة المتزايدة في ظل الحصار من جهة أُخرى .

يعودُ الموسم أيضاً بالدّخل على كثيرٍ من العائِلات الفلسطينية التي تنتظرُه بفارغ الصبر في كُلّ عام، ويُشَغلُ معاصِر الوطن، فهو ليس موسماً عادياً إنّما مناسبةٌ سنوية تدُر على الشعب الفلسطيني خيراً كثيراً.
من أي زاويةٍ ترى موسِم قطف الزيتون ؟