لا بدّ أنّكم لاحظتم في الآونة الأخيرة كثرة استخدام كلمة “مثقّف”، حيث أصبحت هذه الكلمة مستساغة ومتداولة يطلقها الناس على من أرادوا؛ لكن في الوقت ذاته إطلاق أحدهم على شخص ما لقب “مثقف” لا يعني بالضرورة أنّ هذا الشخص بالفعل يحمل تلك الصفة. هناك تعريفٌ شائعٌ للمثقّف: “الشخص الذي يعرف شيئًا عن كلّ شيء”. في منظورنا المتواضع لا نرى هذا التعريف دقيقًا، إذ من المستحيل أن تجد إنسانًا يعرف شيئًا عن كلّ شيء. المثقّف الحقيقيّ صاحب الكفاءة الفكرية هو الذي يؤثّر في الناس، وهو الذي يحمل هموم الناس والطبقات الكادحة وينخرط في مشاكلهم.
ربما سبق وأن رأيتم الكثير من الناس يقرأون؛ لكن هل خطرَ لكم أن تسألوا أنفسكم عن طبيعة الكتب التي يقرأونها؟ هل هي حقًا تبني وتوسّع ثقافة الفرد؟ أم أنّها مجرّد كلام مسطور بين دفّتي كتاب؟ إذا كان كل من يقرأ “مثقفًا” فلماذا نرى كلّ هذا الجهل والعراء الفكريّ الذي يخيّم على مجتمعاتنا العربية؟ إذن لا بدّ أنّ هناك صورة مغلوطة ومبهمة لدى الناس حول مفهوم الثقافة والمثقّف -في منظورنا- حيث تكون إشكاليتهم في عدم قدرتهم على التمييز بين “قارئ” و”مثقّف” فليس كلّ قارئ بالضرورة مثقفًا، بينما المثقّف لا بدّ أنّه مارس القراءة، نرى توجّهات الناس في الوقت الحاضر تميل إلى القراءة لا الثقافة، حيث نجد الطلب على روايات الحبّ والعشق عاليًا جدًا، بل إنّ إعجاب الناس بمثل هذه الكتب يزداد بشكل مهول.
من أبرز الروايات الدارجة والتي نالت إعجاب الكثير من الناس: الأسود يليق بك، فلتغفري، أنتَ لي، وغيرها من الرّوايات التي تدور في المدار ذاته. كلّ هذه الروايات -وإن اختلفت في عناوينها– لا تختلف في المعنى والمضمون، حيث تجسّد في طيّاتها قصة حبّ عاشها الكاتب في مرحلة من مراحل حياته يستطيع أيّ شخص منّا أن يعيش قصة حبّ مشابهة لها، إلا أنّ الفرقَ الوحيد أنّهم ترجموا تجربتهم في الحبّ إلى نصّ أدبيّ مستهلك. لو أنّ الوقت الذي يتم قضاؤه في قراءة مثل هذه الروايات استُغلّ بشكلٍ صحيح في قراءة كتب ذات قيمة فكرية وعلمية تنهض بقارئها لكنّا الآن في مقدّمة الشعوب.
إن كنت قارئًا فمن المؤكّد أنك أحد فريقين، إمّا قارئ سار على نهج الآخرين وأخذ يقرأ ما هو شائع في كل فترة، وإمّا قارئ انتقى بنفسه ما رأى فيه الفائدة والإبداع. وها نحن نقولها لكم: لا تتبّعوا ما هو سائد وشائع بين الناس؛ بل اتّبع أصحاب الفكر والعلم. وكما قال الباروديّ
أَسِيرُ على نَهْجٍ يَرَى النَّاسُ غَيْرَهُ :: لِكُلِّ امرئٍ فيما يُحَاوِلُ مَذْهَبُ
كوّن ذاتَك واصنعْ تجربتك الخاصّة، وتعلّم من تجارب الآخرين؛ لكن لا تقدّس أحدًا منهم.