لنعيش حياة سعيدة نحتاج أحيانًا إلى شيء صغير قد يعتقده البعض غيرَ مهم، في حين أنّ البعض الآخر لا يستطيع العيش دونه، ماذا لو أخبرتك عن ماهيّة هذا الشيء الصغير والمعجزات التي يصنعها؟

ماذا لو أخبِرُك بأنّها كلمة، مجرد أن تسمعها ستفقد القدرة على عدم السخرية منّي بأيّ شكل من الأشكال؟ هل سمعت بكلمة -أمل- من قبل؟ نعم، البعض منّا سوف يسخر منها؛ لكنّ الأغلبيّة يعيشون على شعاع صغير ملتصق بخلايا قلوبهم، يُمكّنهم من إدراك الواقع الذي يعيشون فيه بعيداً عن المعادلات الرياضية التي تفرضها عليهم الحياة، دون أن تساوم على سعادتهم.

أسامة ، شابٌ في ريعان شبابه، سلبتْه الحياة أغلى ما يمكن للإنسان أن يمتلكه على وجه الأرض، أنهى دراسته الثانوية بمعدل ممتاز، فأخذ على عاتقه عهداً بأن يكمل الدرب دون تردد حتى يصل إلى هدفه.

كان يحلم بالدراسة خارج الوطن، غيرَ أنّ الحظ لم يحالفه، لكنّه سرعان ما تجدّد أمله بقرار دراسة هندسة الميكانيك في جامعة بيرزيت، ليبدأ حياته نحو هدفٍ جديد، ويتقن فناً آخرَ من الفنون التي قد تتيحها له الحياة.

مدينة جديدة، أصدقاء جدد، ونمط حياةٍ مختلف قد يصعب على شاب مثله أن يتأقلم معه بسهولة، تغيّرات وتوجّهات جديدة لفنون رآها على وجوه الطلاب الذين ينتمون لتلك الجامعة، لا سيّما أنها من الجامعات العريقة التي تخرّج كلَّ عام فوجاً عظيماً من الطلاب المتميزين على مستوى الوطن في مختلف الميادين.

اجتاز أسامة الفصل الأول بتقدير شبه مقبول، روتين يوميّ وملل لا يُطاق جعلا منه شاباً يفقد متعة الحياة لأتفه الأسباب، بدأ حياة أشبه ما تكون ببيت العنكبوت، أيّ شيء يفعله يُهدَم على الفور، حتى أنه فقد الأمل في كلّ شيء حتى في دراسته، وعندما بدأ فصله الثاني، كان أشبهَ ما يكون بملاكمٍ خاض معركته داخلَ حلبة، فقد أمل الفوز فيها ًكليا.

ترك الدراسة في جامعة بيرزيت دون أن يُعلِمَ الجامعةَ بخطوته في منتصف فصله الدراسيّ، حاول الأهلُ الضغطَ عليه، لم يستمع لحديثهم، تأنيبٌ للضمير بات يرافقه طولَ الوقت، مجرّد التفكير بهذا الأمر يجعل المرءَ ممّن يلتصق شعاع الأمل بقلوبهم في محاولاتهم لتغيير الواقع.

بعدها، وصلتْ حسابَه على موقع الجامعة تحذيراتٌ أكاديميةٌ لعدم انسحابه من موادّه الدّراسيّة وبالتّالي رسوبُه في بعضها؛ لتقصيره وعدم معرفته عن ماهيّة الخطوات المتوجّب عليه فعلها قبل اتخاذ قرار الانسحاب.

تلك الخطوط الحمراء الّتي اجتازها مرغماً جعلتْ في نفسه غصّة تراكمت آلامها بتتابع الأيّام، لتتحوّل إلى بريق مشعّ يفتح طريق الأمل بالعودة إلى الهدف ومواصلة الدّرب، لقد أخذ على نفسه عهدًا جديدًا بأن يضبطَ الأمور، وأن يقوم بإجراءات جديدة نحو هدفه الذي كان يسعى إليه.

عاد أسامة إلى الجامعة بعد انقطاع دام سنة ونصف، وبتشجيع متواصلٍ من أهله، أخذ يبحث عن أفضل الطرق لعلاج ما أخذته الحياة منه، بحث هنا وهناك، ومع كلّ يوم جديد بدأ يشعر أنّ الحياة أصبحت تقف إلى جانبه. إرادة شاب كان على وشك فقدان أجمل اللحظات التي قد يتمتع بها أيٌ منا، قادته إلى أن يصبح من الطلاب المجدّين والمتفوّقين في كليته بعد أن كان طالباً لا فائدة من وجوده.

ذلك الشيء الصغير الذي أخبرتكم عنه كان مصدر الإلهام والقوّة الذيْن رافقا أسامة طيلةَ أيّامه، شعاع من الأمل جعل منه طالباً متفوقاً بمعدلٍ لا يليق إلا برتبة الشرفاء  تحدّى بإصراره وشغفه كلّ مَن كان يعاديه، وواجههم بأنّه سيصبح في القريب العاجل أفضلَ “مهندسٍ” بإرادته وشغفه وطموحه.