العادةُ في بدايات الفصلِ الدّراسيّ، هدوءٌ بلا ضجيجٍ في المكتبات، لا مكالماتَ مستعجلةٌ على الهيئاتِ الأكاديميّة، لا رسائلَ من الطّلبة للمعلّمين على ” ريتاج “.

منذ سنواتٍ ثلاث، عايشتُ حياة الطُلّاب واهتماماتِهم في جامعة بيرزيت، كنتُ واحداً منهم، أرى ما يرَون، وممّا لفت انتباهي، عملُ الأندية الجامعيّة في مختلفِ الكُليّات، هذه الأندية برؤسائها وأعضائها يجبُ أن تمثّلَ التَخصّص بشكلٍ يعزّز حبّ طلّابه له، ويقدّم جديداً لهؤلاء الطُلاب، يولي أولى اهتماماته لتمكين طلبته من مسائل تخصّصهم وأساسيّاته.

وجدتُ هذه الأنديةَ في عملها امتداداً لرؤيةِ الحركاتِ الطُلّابيّة في بيرزيت، اهتمامٌ بالشَكلِ الظّاهريّ التَرفيهيّ والرُوتينيّ (توزيعٌ للكتبِ المجانيّة، مساعدةٌ في التّسجيل، فتحُ الشّعبِ الدِراسيّة، إنجاز الرَحَلات، التَوسّط بين الطّلبة والمعلّمين،..) ويتجلّى هذا الامتداد في أنّ الأنديةِ –ليسَ جميعُها- في انتخاباتها تعامَلُ معاملةَ الحركةِ الطُلابيّة نفسِها، فهذا مرشحٌ عن الحركةِ تلك، وهذا عن الحركة تلك.

لستُ أكتبُ هنا لأكون سوداوياً، فالحركات الطُلّابية لها رؤيةٌ خاصَة بها، بغضّ النَظر عن نضجها من عدمه في المجال الأكاديميّ، بيد أنَّ الأنديةَ تستطيعُ أن تكونَ محرِكاً لدورٍ لازمٍ بها في ظلِ تراجعٍ واضحٍ يظهرُ في أنّ العلمَ لم يعُد يُطلَبُ لذاتِه، بل هو وسيلةٌ مرحليّة، وهنا يأتي دورُنا كشبابٍ فلسطينيّ، دورُ البناء والإعمار، أن نوظِفَ أفكارنَا وتميّزَنا في تخصّصاتنا في سبيل الانتفاع بإمكانيّات الحركة الطُلّابيّة التي لا تقارن مع إمكانيّات الأنديّة التواضعة جداً.

لا شكَ أنّ المنهجيّة التي تتعاملُ فيها النَوادي في نشاطاتِها هي نشاطاتٌ خدميّة وترفيهيّة في الغالب؛ إنّما لا تصنعُ علماً ولا تؤسّس لثقافةٍ وبناءٍ معرفيّ تخصّصيّ، فنحنُ بحاجةٍ إلى تنظيمِ عملِ الأندية الجامعيّة؛ فلسنا بحاجةٍ إلى تنافسٍ مضاعفٍ حزبيّ؛ بل نادٍ جامعيّ بأعضاءٍ يهتمون برفعةِ تخصّصهم يتعاونُ مع الحركاتِ الطُلّابيّة في عقدِ النّدواتِ وورشاتِ العملِ.

وليسَ يُفهَمُ من كلامي أنّ المال هو محركٌ رئيسٌ في عمليةِ التَثقيف والمعرفة؛ بل تستطيعُ الأندية إتمامَ هذا الدَور بمواظبةٍ على النَدوات الداخليّة وإرادةٍ ممتزجةٍ بحبّ التّخصّص، ومجال عملِ الأنديةِ في اتساع، ففي مجال عمل الأندية إقرارُ المساقاتِ بالتوافق مع رئاسةِ الدائرة، إنجازُ النَدوات والأمسيات والدَوراتِ العلميّة، وغيرُ ذلك كثير.

بيدَ أنّ عملَ النّادي لم يكن يوماً لإنجاحِ طالبٍ راسبٍ قصّر في حضورِه، أو الوقوفِ في صفِ الطالبِ دائماً قبالةَ المعلّم، لا؛ بل إنّ النّادي الحقيقيّ هو الذي يجعلُ همّ الطالب الحقيقيّ هو العلمُ لا العلامة، ويجعلُ علمَ المعلّمِ هو الميزانُ للتعامل المبنيّ على الاحترامِ المتبادَل.

هذهِ وجهةُ نظرٍ خاصّةٍ بي، قد أصيبُ وقد أخطئ؛ والأهمّ ألّا يُحارَبَ المعلّمُ في سبيلِ العلامة، إن كنتَ ستحاربُه فحاربه في مجال العلم، العلمِ وحدَه.