أَخُيِلَ لَكِ عزيزتي يومًا أن تجلسي بين فتاتين تتبادلان أطراف الحديث، وإذ بِهما يُدخلانكِ عالمًا ورديًا ليس فيه سواك أنتِ وجدرانٌ تنطق بصورٍ لتصاميم وأرضية مليئة بخيطان حمراء، وصفراء، وخضراء، ووردية أشبه بعيد “هولي” للألوان في الهند؛ تنثر هذه الخيطان ماكينًة أصابت مرة وأخطأت عشرة لتصل بكلّ واحدة منهما إلى ما هي عليه الآن . لينا عزمي وآيات عيسى، حظيتُ بساعة من الجلو معهما لتروي لي كلّ واحدة منهنّ حلمها في أن تصبح مصمّمة أزياء ترتدي لنفسها ما تصنعه بيدها، وتصمّم لغيرها قطعًة مليئة بالذّوق الرّفيع. لن نحتاج نحن معشرَ الفتيات بعد الآن أن نتكبّد عناء النّزول للسّوق بحثًا عن تلك القطعة لمناسبة قادمة، والتي حاكت كل واحدة منّا تفاصيلها في مخيلتها ولم نجد لها في السوق شبيهًا.

اختلاف في المسيرة والحلم واحد
أمّا  لينا، طالبة إدارة الأعمال في جامعة بيرزيت، فتخبرني أنها ومنذ الصغر كان ُحلمها دراسة القانون، ليتغيّرَ مجرى حياتها في سنّ الشّباب وتتبلّور في مخيلتها مساحة أخرى شعرت بأنّها ستجد ذاتها فيها أكثر؛ ألا وهي شغفها بتصميم الأزياء؛ فقرّرت دخول جامعة بيرزيت وأخذ شهادة البكالوريس وإكمال مسيرتها نحو حُلمها. لا اعتراض من الأهل على أن يكون تصميم الأزياء الهدف الرئيسي؛ بل يمكن لها أن تجمع بين الموهبة والشّهادة الجامعيّة، فضّلت لينا أن تأخذ بالجانب النّظريّ أولًا من المجال قبل خوض غمار تصميم القطع، حيث اهتمت بالبحث عن دورات وكلّيات وورش عمل؛ لتتقن فيها مهارات هذا الفن المتشعّب اللامنتهي، وتجدول برنامجها الفصليّ بما يتلاءم مع دورة متخصّصة في هذا المجال بنابلس؛ تتكبّد عناء التّنقل بين المحافظات؛ لأجل أن  تتشرّب من هذا العلم والفن.
على خلاف لينا، فنرى آيات وهي طالبة الإدارة العامة بجامعة بيرزيت، والتي كانت ككلّ الفتيات الصّغيرات تحيك لدُماها ملابسًا وتتابع في سنّ الشّباب برامجَ مثل ستايل وغيرها ليبقى شغفها ملازمًا لها من الطّفولة إلى اليوم.

كان يخيّل لي أنّه ليس هناك فائدة تُرجى من جارة سوى الجلوس والنّميمة على هذه وتلك، إلى أن كَسَرت لي هذه القاعدة آياتُ حين عزت الفضلَ في إتقانها لفنّ التّصميم إلى جارتها هيا عاصي التي التزمت آيات بالذّهاب عندها لعدة أشهر، لتجد نفسها تطلب من أمّها أن تجلب لها ماكينة وضعتها في غرفة المعيشة لتحظى بشجارٍ مع أمها بسبب الخيطان وقطع القماش المتناثرة هنا وهناك، فنقلتها إلى غرفتها الخاصة، ولكِ أن تتخيّلي جمال الغرفة بتصاميها التي انتقلت من غرفة إلى لوحة فنية، فباشرت بتصميم أول قميص فكانت أكمامه واحدة أطول من الأخرى مرة، وتنكسرُالإبرة ثانية لتصيب في الثالثة وتصنع لنفسها هذا المعطف وترتديه، وتجد شغفًا من صديقاتها اللاتي حرصنَ على الطّلب منها تصميمَ فساتين لحفلات تخرّجهنّ، ومعاطف وشراء قطع جاهزة على أن تضيف هي لمساتها.

تستفيد كل من لينا وآيات من مواقع التّواصل الاجتماعيّ لأجل أن تصل لهما كل هاوية تريد الاستفادة من خبرتهما أو كلّ فتاة تحب أن ترتدي قطعة فريدة هي وحدها، نرى لينا تنشر على صفحتها الشخصية على “الإنستغرام” صورًا لقطع جاهزة من أمّها وأخواتها وقد تكون القطعة لقريبة لها تريد التخلّص منها فتأخذها وتعدل عليها وتحاول ارتداءها بطريقة مختلفة عن المألوف، بينما تستغلّ آيات بالإضافة إلى “الإنستغرام” و”السّناب شات” لتشارك متابعيها بأحدث تصميماتها وتقدّم النّصائح لإطلالات الفتيات؛ فمثلًا يجدر بك أن ترتدي مع القطع ذات الألوان الهادئة أو ألوان الباستيل حذاء أبيض يبرز جمال باقي القطع، أمّا في حال فضّلتِ اختيار لون الملابس مائلًا للأسود أو الأبيض فسيكون الحذاء باللون الذهبي أفضل خيار لك، وللملابس المانكروم يفضّل أن تدمجي قطعًة بلونٍ  ثالث عوضًا عن الاكتفاء بلونين، وغيرها من النصائح التي شاركتنا بعضها في هذه الصورة.

وتطمح لينا بعد أن تنهي دورتها في عمل مجموعة خاصة بها وبيع القطع حسب الطلب عليها، ومن ثم إكمال مسيرتها بالسفر لصقل موهبتها، أمّا آيات فقد بدأت ببيع قطع من تصميمها، إلا أنها توقّفت فترة عن استقبال الطلبات على صفحتها على الفيسبوك؛ لتستطيع التوفيق بين دراستها والتصميم، وتخطط للعودة له بعد نهاية هذا الفصل لكل فتاة تريد أن تتميز بقطعة من تصميمها . ومن الجدير بالذكر إن وجهتها في حال سنحت لها الفرصة لتتعلم خارجًا ستكون دبي بعتبارها مهدًا  وإمارًة لكل الثقافات وفيها دور أزياءٍ عالمية لمن يسعى لإبراز ذاته .

تجدر بنا الاشارة أيضًا إلى مشكلة تواجه كل من في مكان لينا وآيات بخصوص قلة المعاهد التي تدرس مثل هذا النوع من الفنو؛ فنجد عددهم لا يتجاوز أصابع الكف، فهناك واحدة في الطيرة، وتخصص دبلوم في التصميم  في جامعة الخضوري، ومراكز قليلة أخرى لا تكف لاستيعاب كل من لديه حب دراسة تصميم الأزياء.

أنهي مقالتي وأنا أفكر بأي حلة سأبدو في مناسبات الصيف القادم بتصاميم سأستعين فيها بخفة وذوق وسحر يد آيات لتحكيكه لي، ونصائح من لينا للطريقة المثلى لتنسيق القطع معًا، على أمل أن نشهد لكل احدة منهما مجموعتها الخاصة ودور تصميم باسمهما، لتبقى جامعة بيرزيت عنوانًا للمواهب والذوق الرفيع بما تخرجه من طلاب، والفرص والعلاقات التي تفتح أبواب كنا نحسبها قبلًا مغلقة، فتكون فسحة أمل لكل من رست به الحياة على مرفئها.