لم يكن صباح الثاني من شباط لهذا العام مختلفاً عما سواه من أيام، الطلاب يتوافدون فرادى وجماعات إلى الجامعة لتقديم امتحاناتهم النهائية، الحركة نشطة منذ الصباح على المدخل الغربي – وهو المدخل المخصص لدخول الطلاب- ، حركة الفوردات ذهاباً واياباً، وتوافد الطلبة إلى “أبو أحمد” لشراء القهوة؛ جزء من المشهد المعتاد كل صباح!
عقارب الساعة تشير إلى الثانية والربع عصراً.. يغادر طالبان ساحة الجامعة بسيارتهم الخاصة، لم تكد السيارة تتحرك عشرات الأمتار باتجاه الشارع إلا وتعرض لها بضعة عمال بثياب رثة، كانوا يجمعون علب التنك والكولا الصدئة على طول المدخل الغربي، لم يكن هؤلاء سوى “مستعربون” في مهمة اعتقال لطلبة من الجامعة، لحظات ووصلت سيارة تجارية تحمل اللوحات الخضراء، أُخرج الركاب من السيارة عنوة وسُألوا عن أسمائهم: باسل فليان؛ طالب محاسبة ورئيس لجنة التخصصات في مجلس الطلبة، توفيق أبو عرقوب؛ أسير محرر وطالب في كلية تكنولوجيا المعلومات، محاولة الاعتقال الثالثة من المستعربين له، هذه المرة ليست في بيرزيت البلدة، بل في حرم الجامعة!
الحارس الجامعي “محمد وليد” وهو شاهد عيان يروي لحملة الحق في التعليم بعضاً مما حدث: “لم يكن هناك أي جيبات عسكرية، فقط سيارة مرسيدس شحن تحمل نمرة الضفة الغربية، محملة في الصندوق بجلان من الزيت، الترك عرّض في وسط الشارع وأنزل اثنين من السيارة تحت تهديد السلاح واختطفوهم، أخذوهم ووضعوهم في كابينة الترك”.
شهود عيان من سائقي الفوردات قالوا أنهم شاهدوا الشاحنة التجارية نفسها قبل ساعتين وهي تقف بجانب أقواس أبو قش تراقب مدخل الجامعة من هناك، وتنتظر هناك لحظة الصفر ..
حملة الحق في التعليم التي تابعت الموضوع، أكدت وفقاً لمعلومات وشهادات وصلتها، أن عملية الاختطاف لطلبة من أبواب الجامعة لم تكن الأولى، وأن الأمر يتعلق بنشاطات طلابية تتم داخل ساحات الجامعة، ففي السابع من كانون أول للعام 2016 كان الطالب عبد الرحمن حمدان، وهو أيضاً أسير محرر أمضى عاماً كاملاً في الاعتقال الاداري، بدواعي النشاط الطلابي، على موعد مع الاختطاف، حين اعترضت سيارة الفورد التي كان يستقلها مساء وبعد انتهاء دوام الطلبة بساعات، شاحنة تجارية بداخلها مستعربين، سرعان ما اقتادوه منها، ونقلوه لاحقاً إلى سجن عوفر.

اعتقال المستعربين لطالب على مدخل الجامعة
قصة بيرزيت مع الملاحقة طويلة؛ أساتذة وطلبة ومبان ومؤسسة، فهي الجامعة التي شهدت أطول فترات الاغلاق في السبعينيات وحتى في الانتفاضة الأولى، لأنها المحرك الذي يدب الحياة في المسيرة الوطنية عبر اختلاف فتراتها، ولهذا كانت دوماً في قلب الاستهداف.
وهي قصة ذات بعد انساني أيضاً؛ فالطلبة مستهدفون على نشاطات نقابية داخل الجامعة، وبفعل هذه الملاحقة اضطروا للغياب عن بيوتهم شهوراً، كما يروي أهل الطالب “توفيق أبو عرقوب” الذي لم يحضر للمنزل منذ ثلاثة شهور قبل اختطافه، ولم تتح لهم فرصة الاستقرار الذي يمكنهم من متابعة دراستهم كما ينبغي، فضلا عن أن الانقطاع تسبب في تأخير تخرجهم عن دفعتهم.
يعرف الاعتقال الاداري بأنه اعتقال الأفراد من قبل الدولة دون محاكمة، ويحتجز معظم المحتجزين تحت “أدلة سرية”، لا يزال السجين مسجوناً فيها دون معرفة ما يتهم به، وعلاوة على ذلك، فإن لإسرائيل سلطة منع المحامين لمدة تصل إلى 90 يوما، ولكن حتى مع وصولهم لا يزالون لا يعرفون الأدلة السرية.
من الناحية القانونية، اخترعت إسرائيل هذه الأدلة السرية لسجن أكبر عدد ممكن من الناس، وتغطية أعمالها غير العادلة تجاه الفلسطينيين، ويستمر الاحتجاز في العادة تعسفياً لمدة 6 أشهر، إلا أن المحتجزين قضوا سنوات في الاعتقال الإداري، لأن الدولة تجدد المدة إلى أجل غير مسمى. وقد أصدرت إسرائيل أكثر من 50 ألف أمر اعتقال إداري، منها 24،000 أمر صدر بين عامي 2000 و 2014.
والاعتقال الإداري لا يتفق مع القانون الدولي وينتهك حقوق الانسان الأساسية، وبالتالي فهو غير مشروع.
ساهم في اعداد المقال حملة الحق في التعليم – جامعة بيرزيت