ها قد أتى يوم الأسير، و لا أدري أأقول أشرقت شمسُ الأسر أم شارفت على الغروب، أم تراهما يجتمعان معًا. هل حقًا خصصوا لنا يومًا واحدًا لي ولأبطال القيود ؟ لعجب العجب ! ما لهم كيف يحكمون؟ نلبثُ خلف القضبان والزنازين السنوات والعقود، وهم لا يكادون يذكروننا في يومٍ واحد!

في مثل هذا اليوم وقبل عشرِ سنوات، كانت أول ليلةٍ أُفارق فيها منزلي الذي اعتدت ليلهُ ونهاره، صباحه ومساؤهُ . كبَّلوني بالسلاسل، ثم ألقوا بي في غيابة الزنزانة حيث لا أحد. ولا أقتصر بمفهوم أحد على الإنسِ فقط، بل على كل شيء. لم يكن أمرُ قضاءِ أولِ ليلةٍ في مثل هذا المكان يسيرًا أبدًا، فكل شيءٍ يختلف في هذه الزنزانة، فالليلُ هنا ليس كباقي الليالي، لأن الشمسَ لا تشرقُ هنا. حتى الظلام؛ الظلامُ دامسٌ داكن، غمامهُ ملّبدٌ بالقطرات الحمراء، و صوتها صوتٌ ممزوجٌ بأنينِ مرضى الأسرى، بجروحهم، مخلوطٌ بعويلِ امرأةٍ نهشَ السجان أنوثتها، ببكاءِ رضيعٍ أبعدته القضبانُ عن صدرِ أمه. آه على ذلك الليل الذي يحملُ كل هذا الأسى.

الوقتُ هنا ليس كباقي الأوقات، كل شيءٍ يتغير، كأنكَ ذاهبٌ إلى قبركْ، يجردونك من كل ما لديك. فترى الطفل دون دميته، وتجدُ العجوزَ دونَ عصاه التي يتوكأ عليها، وذاك الشابُ فقد شبابهُ وهو يحدقُ بسقفِ زنزانته،وتلك المرأة تبحثُ عن معطفها. وذاك الظمآن يتسولُ الماءَ بوعاءٍ مثقوب. الجميعُ هنا يذوقُ الموتُ كل يوم، ليتنا نموت كسائر البشر، ليتنا نحظى بغفوة، ليتنا نرى النور. نصارع الجوع ونقارع الألم. يا لهذا الليل، أما آن لهذا الليل أن ينجلي ؟

مازلت أذكر تلكَ الليلةَ، بل كيف أنساها وهي و أحداثها تتكرر في كل آونة ؟ ولكني إن كنتُ لا أنسى هذا الليل المجحف القاتم، فهل يعقل أن أنسى أجملَ أيامِ حياتي التي مضت ؟ ربما قد غاب منزلي عن بصري، لكنه لا يغيب عن خاطري وبصيرتي.
وكما أذكر منزلي وعائلي في كل لحظةٍ ودقيقة، أتمنى أن تذكرونا أنتم الأحرار في كل لحظة، و آمل ألا نغيب عن أذهانكم، فيكفينا غياب الشمس هنا.