هذهِ بضعُ نفَحاتٍ خرجتْ من قلبٍ قرّر أن يكتبَ لأمّه في يومِها.
سألوني عنها فقلتُ: هي قَبَسٌ من الجنّة، هي النّعيم الأبديّ
حين تخرج كلمات المدح إلى صديق أو مدير أو زميل في العمل، لا يغيب عن المستمع شعور المبالغة في الوصف أو التّملّق أحيانًا، والسّبب هو شعور النّاس بأفضليّتهم وقدرتهم على مجاراة غيرهم، حتّى ولو مُدِحوا بأعظم قصائد الشّعر.
لكن، حين تصغي لشخص يصف والدتَه، يبادرك اليقين بصدقه في كلّ كلمة يقولها، كأنّما لخّص شعورَه الحقيقيّ، وأخرجه بكلام نابع من قلبٍ مُحبّ، ويتجلّى السّبب في معرفتك بأنّك مهما فعلت في حياتك ومهما بلغت مراتبَ العلوّ والشّرف، لن تصل إلى المثاليّة الّتي كانت عليها والدتُك، في حبّها وإخلاصها لك، وسعيها لتكونَ الأفضل.
أمّاه، قلبُك نصفُ العمر لو علموا، وعيناكِ البقيّة
تغطّي حزنَك ليلًا، فتسافر بك إلى عالم السّعادة، وتنفض غبار مشاكلك نهارًا، فترافقك الرّاحة حيثما حللتَ وارتحلت، قلبُها مقسومٌ قسمين، قسمٌ معك يتبعُك ويرعاك بدعائه وعينه السّاهرة، وقسم عليك يخشى خدشَ الشّوك وجرح الكلام، ولم يبالغ ذلك السّوريّ حين قال: “حين تضيق بي مدينتي الموجوعة أركن إلى حضن أمّي وأتّكئ على جدار حنوّها، فأسافر إلى مدن النّقاء وأغفو على غيمة حبّ تدثّرني من صقيع الوحشة“.
قالت: ستُفرج ذات يوم، وأمّي امرأةٌ لا تكذب
وربما قلبت الدّنيا يوما باحثًا عن شخص أعظمَ صبرًا منها، أكثرَ اهتمامًا، حبًّا، ولكن، هيهاتَ أن تجدَ، تستعصي أمامك أكبر المصاعب، فتحلّها بكلمة، وتقسو عليك الحياةُ فتواجهُها بقلبِ جيش، ومهما ضعفت أو انكسرت أو ضاقت بك الدّنيا؛ تجد نفسك عائدًا إليها؛ كطفلٍ كُسِرت لعبتُه راجيًا من أمّك إصلاحَها.
ما كنت لأبخلَ عليك يا أمّي بعمري، لو أنّ العمرَ يُهدى
استوصي بها خيرًا، كن بسمَتها حين تحزن، وقوّتها حينَ تضعف، وأملَها وفخرَها الّذي حاربت الدّنيا لأجله، أنت ممثّلها في كلّ المحافل، حين تتحدّث، تحدّث بلسان حِكمتِها في تربيتك، وحين تناضل، واجِهِ الدّنيا بقلب أمّك الصّابر الآمل، وحين تنجح ليكن إهداءُ نجاحك الأوّل إليها، فلولاها لما وصلت!
وأخيرًا، إليك يا مَن علمتِني كيف أحيا، أتمنّى أن أوفّيك جزءًا بسيطًا من عظمة حبّك، ودفءِ قلبك، فأنت تستحقين كلّ جميل، أنت الأعظم منّا جميعًا.