كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، غجرية جميلة. ترى ما الذي يتراءى لأذهانكم عندما أقول “غجرية”؟ نعم، إنها فتاة سمراء ذات شعر متمرد، مكللة بالحلي والدناديش من رأسها حتى قدميها، مستقلة بذاتها، والترحال يهواها. غجرية جميلة اسمها حنين هي بطلة قصتنا اليوم.

نحن ما نفكر، لأن أفكارنا تصبح كلاما، وكلامنا يصبح أفعالا، وأفعالنا في النهاية تشكل كينونتنا. كان لدى حنين فكرة تراودها دائماً، فكرة حلم يظهر من خلاله شغفها وطاقاتها في مجال الحرف اليدوية المميزة التي استهوتها منذ الطفولة، حيث أبدعت في تزيين نفسها من عمل يديها. وهكذا، شاركتني منشورا لها نشرته منذ زمن ليس ببعيد:

كل ما بفوت ع محل
كله تطاريز، وخواتم وعقود
وكل الأشيا اللي فيه عتيقة
عتيقة وحلوة، وحلوة كتير كتير
بقعد ساعة بالمحل
بنسى حالي فيه
بصير أتفرج عكل قطعة
بصير أجرب كل القطع
بلف عكل زاوية بالمحل
لحتى أجربهم كلهم
ما بترك ولا قطعة!
بحس إنه كل زاوية بالمحل
إلها نكهة خاصة!
وكل قطعة بجربها إلها طعم تاني
طعم حلو كتير، متل القطر ^^
كتييير بحب وبتمنى،،
إنه يكونلي محل
هيك شي غرفة صغيرة
كلشي فيه معتّق
كلشي فيه قديم
قديم وعتيييق كتير
يكون كلشي جواه
من النوع اللي بحبه قلبي
عقود، خواتم
صناديق، شناتي
كنبة، كراسي
وكم آلة موسيقية
وصح وكمان بدي راديو
آه آه هداك الراديو الخشب !
وحتى السقف والحيطان غير،
هالمكان حيضل مرسوم بخيالي!

بإصرارها و قوة حلمها، ووقوف أصدقائها إلى جانبها، والدعم الكبير الذي لاقته من والدها الذي كرس وقته في إبداع تفاصيل ذلك المحل الأنتيكي الصغير، لم تبقى تلك الرسمة في خيال حنين طويلاً؛ بل أصبحت واقعاً ملموساً جذاباً بكل التفاصيل التي صُنعت بعناية. لم تبلغ حنين من العمر 21 عاماً إلا وقد رأت محل “خرزة ولون” بعينيها الحالمتين.

محل خرزة ولون - رام الله

محل خرزة ولون – رام الله

زرت مرة ذلك المحل الرائع والمرتب بعناية فائقة لأشتري قطعة أعجبتني، و قبل أن تضع حنين قطعتي في الكيس الورقي البني الصغير، أخرجت قلما و بدأت تزين الكيس بنقاط صغيرة، سألها أحد أصدقائها المتواجدين في المحل: ليش بتعملي هيك؟ فأجابت بمرح: لأنو هيك أحلى. ابتسمت وأنا أراها تهتم حتى بتفاصيل الكيس الذي سيغلف القطعة فقط!

لطالما ظننت أن أثمن هدية في العالم هي الوقت. وحنين كانت مثالا لفتاة تستثمر دقائق حب وعطاء لتضع لمساتها وتحبُك أدق التفاصيل في قطعها التي تصل لزبائنها مغلفة بالاهتمام. عندما تحصل على هدية، وتتأمل  كم من الوقت أخذت؟ ثم تدرك أنها قد كانت بالتأكيد جزءا من حياة صانعها لفترة من الزمن. أنت لا تأخذ قطعة إكسسوار فحسب، أنت تأخذ دقائقا من فتاة موهوبة ربما كانت تستمع لفيروز وهي تنحت اسمك على قطعة عاج وتفكر بمستقبلها.

و لأن الترحال يهواها، اضطرت بطلتنا لمغادرة محلها الصغير تاركة فيه لحظات وذكريات لا تنسى، فاتحة ذراعيها لما هو آت. الغجر لا يستسلمون ولا يملّون، ولا تقف حياتهم عند أي نقطة. فلدى بطلتنا روح مفعمة بالتفاؤل والحماس، وإيمان يزيدها تصميما على إنجاح مشروعها هذا، وإيصال أعمالها إلى المكان الذي تحلم به.

نتمنى لك كل التوفيق والإبداع يا حنين، وإن شاء الله سنقرأ في القريب اسم “خرزة ولون” كعلامة فلسطينية مسجلة تنافس في الأسواق العالمية.

هل مررتم يوما بمحل “خرزة ولون”؟ لقد كان مكانا مميزا حقا!

محل خرزة ولون - رام الله

محل خرزة ولون – رام الله