أخذت تجوب غرفة الصف ذهاباً وإياباً، باحثة عن أقرب طاولة لتقف أمامها. توجهت نحو الباب مطقطقة بحذائها الشتوي الأحمر ثم قالت: “بدي يكون الضو شغّال وأنا أحكي”. وقفت بجانب الكرسي الموضوع أمام الطاولة تمسك بطرف شعرها الأسود المنسدل على كتفيها لتخفف من هيبة الموقف. بضعة جمل قصيرة تنقلت فيها بين العربية والإنجليزية أضاعت توترها لتنساب في الكلام. اقتربت من الطاولة قليلاً حيث تركت كتابها، وراحت تتحسس النتوءات البارزة منه تارة، وتارة أخرى تتركه موجهة حديثها إلى الجالسين في غرفة الصف، بكل ما أتت به ذاكرتها. هكذا أنهت شروق الشافعي فصلها الأخير في جامعة بيرزيت، لتتخرج من دائرة اللغة الإنجليزية والترجمة بعد مناقشة مشروعها التخرج حول دور الأغاني التراثية في إبراز الهوية الفلسطينية.

بيرزيت الحضن الدافئ

درست شروق في مدرسة للمكفوفين قبل أن تنتقل إلى المدرسة الإنجيلية في رام الله، واختارت جامعة بيرزيت لمتابعة دراستها الجامعية، وعن سبب اختيارها لتخصص اللغة الإنجليزية تقول “أحببت اللغات منذ صغري، وتفاعلت بشكل خاص مع حصة اللغة الإنجليزية”. وبشيء من البهجة تستذكر شروق تجربتها الجامعية:

“من أول ما دخلت الجامعة، تفاجئت كيف الطلاب كتير اجتماعيين وبسرعة الواحد بكوّن صداقات، يعني أول سنة بالجامعة كانت أحلى سنة بالنسبة إلي كنت أضلني برا مع الطلاب، وما لقيت صعوبة بالاندماج بالطلاب”.

وتعتبر الشافعي التجربة الجامعية تجربة مهمة، ينتقل الإنسان فيها من مرحلة إلى أخرى، ليتخرج بفكر أوسع وأكبر، وتضيف “في بداية حياتي الجامعية كنت أكثر حساسية في التعامل مع الناس، لكنني تعلمت مع الوقت كيفية التعامل مع الأمور، واحترام الاختلاف”.

شروق بعد مناقشة مشروع تخرجها

 

الموهبة لا تعرف حدوداً

أربع سنوات ونصف قضتها شروق في أروقة بيرزيت تواظب على دراستها وتمارس هوايتها في العزف على آلة القانون. شروق البالغة من العمر 22 عاماً تبصر ببصيرتها كما تبصر يأطراف أصابعها التي ارتبطت بهذه الآلة الموسيقية منذ عمر الثماني سنوات. وعن تعلمها العزف على القانون تقول “لا شك أن البداية كانت صعبة، لكن حب الآلة والموهبة والدافع للتعلم يجعل من التجربة مميزة وجميلة”، وتضيف “بدها مثابرة، ما في إشي بيجي بسهولة”. تعزف الشافعي المقطوعات الغنائية لأم كلثوم وفيروز، كما تربط بين شروق وآلة القانون علاقة مميزة فهي كما تقول الملاذ عند شعورها بالضيق، وهي مصدر الإلهام.

وبتشجيع من الأهل والأصدقاء، شاركت شروق في عدة عروض موسيقية مع عدد من الشركات والمؤسسات منها جمعية أصدقاء مرضى الثلاسيميا، ومؤسسة تامر ومعرض الكتاب الدولي. وحول نشاطها الموسيقي تضيف “حالياً قل التواصل بيني وبين الآلة بسبب انشغالي بالجامعة، لكنني أطمح لإكمال مشوراي في الموسيقى، لأنها من أكثر الأشياء التي تجلب لي الراحة”. وتذكر الشافعي أن عائلتها تهتم بالموسيقى، فشقيقها الأكبر يحترف العزف على آلتي العود والكمان وآلة الأورغ. وإلى جانب الموسيقى والعزف، تطالع الشافعي الكتب المسجلة، وتهتم بالاستماع إلى الكتب العربية والإنجليزية من مكتبة المنارة العالمية، واتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري، وإذاعة البرنامج الثقافي في مصر التي استطاعت من خلالها التعرف على الكثير من الكتاب أمثال إرنست همنغواي، وغابرييل غارسييه ماركيز وموريس ماتيرلينغ، هذا إلى جانب استمتاعها بالروايات والمسرحيات المسجلة.

بالنسبة لشروق لا ينتهي المشوار هنا، وبالرغم من الخوف من القادم المجهول إلا أنها تسعى لإيجاد عمل في مجال الترجمة الشفوية أو الإذاعة التي تجد فيها شغفها في فن الإلقاء، وتقول “بدي أكون إنسانة منتجة في المجتمع”. 

شروق الشافعي تخطت كل التحديات وتخرجت من حضن جامعة بيرزيت. لا شك أن هناك الكثير من الملهمين حولنا ممن نجهل قصصهم. شاركونا الحكاية!