كان يا مكان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان، بطلٌ من جامعتنا قد يكون المفضل لدي. قوته الخارقة تجعل مني إنساناً أفضل يوماً بعد يوم. عمّن أتكلم؟ ربما الكثير منكم يعرفونه، إنه الدكتور سمير عوض، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت وبطل المعارك الوجودية.

د.سمير عوض، أستاذ العلوم السياسية في جامعة بيرزيت.

بداية لغز حياته
وُلد دكتور سمير لعائلة مثقفة، تتكون من أم وأب مثقفَيْن حرصوا دوماً على أن يكون أبناؤهم من المتفوقين، وهذا ما حصل حقاً! فلم يختفِ اسم الدكتور سمير عن لوحة الشرف في حياته قط، كما أنه قد كان من أوائل الثانوية العامة؛ ثم التحق بجامعة بيرزيت لدراسة الرياضيات. بدأت أعراضٌ مريبةٌ تظهر عليه في سنته الجامعية الثانية، كعدم قدرته على قراءة خط الكتب المطبوع، وتشنجاتٍ فجائيةٍ في أطرافه توقفه عن الحركة دون سابق إنذار.

الحلّ المؤقّت
لم يقصّر والداه في البحث عن حل لمشكلته؛ لكن الأطباء في ذلك الوقت لم يعطوهم أي جواب يبرد نار تساؤلاتهم، حتى انحدر اسمه من لوحة الشرف كأحد أوائل دفعته إلى راسب. كانت الصدمة على والديه الأكادميين التربويين قاسية، لم يفهموا سببها ولم يجدوا لها تبريرا واضحاً!

بدأت التساؤلات تشوشه، وتحتّم عليه أخيراً مواجهةُ اللغز وحده “ترى ما هذا الذي أمر به؟” في لحظة قريبة من الاستسلام الهادئ ربّت أخوه على كتفه أن لا يستسلم و إن كان غير قادرٍ على قراءة الكتب؛ فعليه أن يسأل في المحاضرة قدر ما يشاء حتى يخرج منها متشرباً العلم دون قراءته، أخذ د.سمير بنصيحة أخيه، وتخرج من الجامعة لتختفي هذه الأعراض الغريبة. قرر عندها بدافع داخلي أن ينجز كل ما يريد إنجازه قبل عودة تلك الأعراض؛ فحصل على درجتي ماجستير أتبعهم بدرجة دكتوراة بصحبة رفيقة دربه التي لم ترض له بأقل من الأفضل.

د.سمير عوض مع الكاتب والمفكر الفلسطيني إدوارد سعيد


وراء كل رجل عظيم امرأة ..
أليس كذلك؟
عندما عادت هذه الأعراض و لم يكن باستطاعته إكمال الدكتوراة وقفت إلى جانبه كبطلة وزوجة حتى كانت الولايات المتحدة المكان الذي حصل فيه على درجة الدكتوراة، والمكان الذي كشف حل لغزه، فقد شُخّص بالإصابة بمرض التصلب اللويحيّ؛ وهو مرض يتمثل في عدم قدرة الأعصاب على إرسال سيالاتها بسرعة فتكون الاستجابة الحركية بطيئة. ما هي أعراض هذا المرض؟ كثيرة؛ لكن دكتور سمير تغلب على معظمها بفن.

أركز على الحلّ لا على المشكلة
يقول دكتور سمير: “أحتاج ربع ساعة لأزرر قميصي وربع ساعة أخرى لأربط حذائي؛ ما يجعلني عادةً أستيقظ مبكراً جداً؛ لكن هذه العادة الطيبة أتاحت لي إكتشاف مواهبي الشعرية، فصرت أكتب الشعر صباحاً وأنا أحتسي القليل من القهوة في كوب كبير حتى لا أسكبها”. لديه حلّ لكل شيء، وما يميزه هو تقدير الوقت الذي يناسبه، وغياب كلمة مستحيل من قاموسه! أمّا عن روحه المفعمة بالطاقة فأنصح الجميع بزيارته.

د.سمير عوض مع الراحل ياسر عرفات

 

سأنهي المقال الذي لم أذكر فيه سوى القليل القليل من روعة هذا البطل بمعلومة لطيفة، هل سمعتم عن مسلسل ليالي الحلمية؟ لقد كانت متابعته الموضة الرائدة عندما كان بطلنا في العشرينيات؛ لكنه كان يعلم أن سن العشرينات ودقائقه الذهبية أغلى من أن يشغل وقته بمسلسل، فوعد نفسه التي تطوق للتسلية أنه عندما يبلغ الستين من عمره سيبدأ بمتابعة المسلسلات مبتدئا بليالي الحلمية.

صغارٌ نحن أمام عظمة أبطالنا، هل تعرفون أشخاصاً خاضوا تجارب مشابهة؟ وما تأثير تلك التجارب الملهمة على حياتكم؟ شاركونا آرائكم ..