كلّ إنسان في هذه الدنيا بداخله مارد عملاق ما زال ساكناً، يجب أن يستيقظ قبل أن يفوت الأوان، الظروف وحدها هي القادرة على إيقاظ هذا المارد بداخلنا، لتذكيرنا بأننا لا زلنا نملك فرصة لنصبح أفضل مما نحن عليه الآن.
عليّ عامرية، طالب الفيزياء في جامعة بيرزيت كان قادراً على إيقاظ هذا المارد مبكراً! لكنّ طريقه لم يكن خالياً من المصاعب، لنعود بالزمن قليلاً ونرى الحكاية منذ البداية.
“كانت شهادتي تزينها الخطوط الحمراء”، بهذه الكلمات وصف علي مستواه الدراسي من الصف الأول وحتى السابع، بحيث أنه لم يكُن يعرف كيف يقرأ أو يكتب، لكن ما حدث معه بعد انتهاء الفصل الدراسي الأخير كان كفيلاً بتغيير مسار حياته للأبد.
يستذكر علي ما حصل معه حين مرض والده مرض القلب، واضطر للسفر إلى الأردن لتلقي العلاج، وغاب شهرين كاملين.
“ليش ما أصير مثله”
بما أن عليّ الابن الأكبر، فقد وقعت مسؤولية البيت على عاتقه فترة مرض والده، اضطُر إلى العمل في “الطراشة” خلال العطلة الصيفية، “كنت أنام وأنا في أواعي الشُغل.. نفس الروتين استمر 3 أشهر”، يبدأ يوم علي من السابعة صباحاً ويستمر في العمل حتى الثانية عشر ليلاً وحصيلة هذا العمل المُضني لم تتجاوز 100 شيكل في اليوم الواحد دون استثناء المواصلات والطعام.
في الأسبوع الأخير من عمله حصل موقف صغير كان لهُ التأثير الأكبر في حياته، “كنت واقف ع السلم”، يصف علي اللحظة التي رأى فيها أحد المهندسين يدخل إلى الورشة مرتدياً بدلة، ولم يكُن عمله مُتعباً مقارنةً بالعمل الذي يقوم به علي مقابل أجر قليل، المُهندس مضى في طريقه، لكنّ اللحظة لم تغادر ذهن عليّ، لم يتوقف عن التفكير منذ ذلك الحين، بدأ العصف الذهني لديه، “أسبوع كامل أضل صافن بالحيط وما كنت أنام” ، وبعد هذا الصراع الطويل الذي انتهى بأن يسأل نفسه 3 أسئلة مفادها :
-“ليش ما أصير مثله؟”
-” هل بدي أضل طول عمري هيك؟!”
-“لو يوم من الأيام كنت الأول على الصف، شو شعوري وشعور أبوي؟”
هذه الأسئلة التي لم تتوقف عن الدوران في رأسه، ولّدت لديه الرغبة في الكفاح من أجل تغيير الحال.
“من الخطوط الحمراء إلى التفوّق”
مع بداية الصف الثامن، بدأ علي بالعمل على نفسه، علي الذي لم يكن يعرف كيف يقرأ بالعربية وبالإنجليزية، ولا يعرف شيئاً عن الرياضيات حتى أساسياتها، بذل “جهداً عظيماً” كما يصفه، ولم تذهب أي ذرة تعب سُدًى، فقد حصل على المرتبة الثالثة مع نهاية الصف الثامن، وواصل كفاحه حتى أصبح الأول مع نهاية الصف العاشر.
“حسيت الدنيا مش واسعتني”، هذا لسان حال علي بعد تكريم المجلس القروي للمتفوقين، عندما رأى السعادة التي كانت تغمر والده لحظة تكريمه. وكأنّ هذا كان كفيلاً بأن يُنسيه كلّ التعب والمعاناة والجهد الذي بذله ليصل إلى ما وصل إليه.
“هذه ليست النهاية”
لم يتوقف طموحه عند هذا الحد، ولم يكتفِ بما حصل عليه-حتى بعدما ساهم بنجاحه في شفاء والده- بل اختار الفرع العلمي، وأنهى دراسة الثانوية العامة بمعدل 87، اختار بعدها دراسة الفيزياء- فرعي الرياضيات-رغم أن معدل قبول هذا التخصص لا يتجاوز الـ70، ودبلوم تربية متزامناً مع تخصصه أيضاً.
لكنّ انخراطه في الدراسة لم يمنعه من أن يكون فاعلاً في النشاطات الأُخرى، فهو رئيس لجنة الأعضاء في النادي الفلكي أيضاً.علي يطمح لاستكمال طريقه بدراسة الماجستير والدكتوراة في مجال تخصصه، حتى يترك بصمته في المجتمع.
” الواحد إذا عنده فكرة في الحياة يرمي بذرتها في الأرض، مش شرط هو يحصدها بس غيره أكيد رح يحصدها “، هذه الكلمات البسيطة كفيلة بالتعبير عن مدى إصرار علي للتأثير في المجتمع.
هل عايشت تجربة مشابهة؟ شاركنا قصتك..