كان يا مكان في سالف العصر والأوان، قصة من قصص أبو العجب، حصلت معه في وقت ليس بالبعيد. ترى هل هي حقيقية؟ وما الهدف منها؟
سأترككم مع الجزء الثاني من مقالة أبو العجب، إذ سأسرد إحدى قصصه الموروثة والمزينة بأسلوبه الجميل لتخدم هدفاً أجمل.

روى أبو العجب، في يوم خطرت ببالي فكرة، لم لا أجوب بصندوق حكاياتي في شوارع عاصمتي العريقة؟ في زقاق القدس القديمة؟ وأمتع السامعين المقدسيين من كل الفئات العمرية.

حملت صندوقي واتجهت شرقاً نحو القدس، سرت بسعادة وحماس كعادتي، فجأة ودون سابق إنذار وصلت طريقا مسدودا! فيه شِبَاك وأسوار وأجهزة تفتيش غريبة، ويقف فيه رجال يرتدون ملابس مضحكة ويصرخون بي أن أقف.

وقفت، وقلت: ماذا تريدون؟
فأجابو السؤال بسؤال، قائلين: “انت وين رايخ؟”، فقلت لهم إلى عاصمتي القدس الجميلة.

عندها تجهمت وجوههم، وأجابوني بأسلوب ساخر، “لا يمكنك دخول القدس!”. خاب أملي وكاد ينطفئ حماسي، لكن زيّي الأسطوري وصندوقي العجيب لفتاهم وأنقذاني.

فنادوا عليّ، “أبا العجب هل حقاً تروي الحكايات؟”.
قلت،”أجل، أنا أروي الحكايات الموروثة الحقيقية ولا أكذب فيما أحدِّث”.
فقالوا فوراً، “إذن، سنسمح لك بدخول القدس بشرط واحد، أن تسرد لنا حكاية أولها خيال، وآخرها خيال وأوسطها كله خيال”.
فقال أبو العجب، “لكن حكاياتي حقيقية وصادقة وشخوصها سكنوا هذه البلاد ودفنوا فيها”.
فقالوا، “هذا شرطنا وإلا فلا قدس لك”.

عندها بدأت بالتفكير، من أين لي بقصة الخيال هذه؟ حتى تذكرت قصة بهذه المواصفات كانت تحدثني بها أمي في الزمن القديم.
فتوجهت لهم بفخر قائلاً، “سأحدثكم بما طلبتم”.

عندما ولدت جدتي جدي، كان عمري 5 سنوات، أعطتني جدتي بيضة وحملتها عائدا للمنزل. وعند عتبة الباب كسرت البيضة وخرج منها ديك كبير ريشه كثيف بديع مليء بالألوان.
أعملت هذا الديك بنقل الصخور، فنقلها من محجر إلى محجر حتى جُرِحَ ظهره وسال دمه، فركضت إلى العطّار وأخبرته بعلة ديكي، فنصحني أن آتي بعجمة تمر (بذرة) فوراً وأطحنها واضعا مسحوقها على الجرح.
وفعلت، لأفاجأ بنخلة عظيمة تخرج من ظهر ديكي، صرت أرميها بالحجارة فتعلق الحجارة بقمتها وتنزل لي رطبا لذيذة.
ظللت حتى شدني فضولي لأتسلق هذه الشجرة، وهذا ما فعلت. وهناك في القمة، وجدت أراض واسعة ومساحات من الأراضي الخصبة المبهجة فقررت زراعتها، وفكرت ماذا عساني أزرع؟

حتى لمع السمسم في رأسي، وما كانت إلا شهور قليلة حتى حصدت السمسم كلّه. لكنّي رغم ذلك لم أستطع النوم ليلاً، فقد شعرت أن سمسمي ناقص، وأن أحدهم سرق منه. فأشعلت قنديلي وبدأت عدّ أشوال السمسم حبةً حبة، فوجدتها تنقص حبّة!
نظرت حولي ووجدت نملة تمسك بحبة السمسم خاصتي! فرحت أشدّ وهي تشد حتى انقسمت حبّة السمسم وملأ السيرج المكان.

غرقنا ونجوت بأعجوبة على ظهر “فالوكة”، أرستني إلى شاطئ الأمان. وهناك رأيت الرجال المضحكين الذين يمنعوني من دخول القدس يضمحلون وأحجامهم تصغر حتى صاروا بحجم أعواد الثقاب!

فأكملت القصة، “ثم قررت أن أزرع أرضي بطيخا، وعند الحصاد وجدت بطيخة كبيرة جداً. وقلت في نفسي “لن يأكلها غيري”. وجئت بسكينة كبيرة، وبدأت أقطع فغاصت السكينة داخل البطيخة، وما كان بي إلا أن لحقت بها وغُصت فيها، ويا عجبي مما رأيت!

رأيت مدينة سوقها كبير، فيه الباعة والشارون والحمير، وكان حمار يرفض المسير وصاحبه يشده من رأسه بقوة.
ذهبت لأعاونه، وشددت الحمار من ذيلِه فقطع ذيلُه بيدي. ولم أكن أعلم أن الحمار مقدس في هذه البلدة العجيبة. ولهذا أمسيت بين يدي قاضٍ غاضب، حكم عليّ بأن أُقذف من مدفع عظيم إلى ما وراء البلاد، و ما إن قذفني حتى رأيت الرجال المضحكين يضمحلون أكثر فأكثر، حتى أصبحوا غبارا منثورا. ودخلت القدس فرحاً أنشر حكاياتي في كل زاوية وزقاق”.

لقد كانت هذه الحكاية الخيالية سبباً لاختفاء الرجال المضحكين على طريق القدس المسدود، فعمر هذه الحكاية ربما جاوز مئات الأعوام،  وأصالة عمرها هو الذي حوّل الرجال المضحكين إلى غبار منثور!

كما قال أبو العجب، “واجهتهم بحقيقة واحدة، نحن نروي روايات نقلت لنا من أجدادنا وسنتناقلها ما حيينا، روايات نقلتها السماء والهواء والتراب عبر الأجيال، قبل الشفاه والألسن، هذه الأرض كانت منذ الأزل لنا وستبقى لنا”.