“تقبّل عيبك، وأفرض على الناس تقبله”. آخر ما قالته لي حنين قاسم، خريجة دائرة القانون في جامعة بيرزيت، بعد أن  روت قصتها مع التأتأة وكيف أثرت هذه المشكلة إيجابياً على حياتها.


“التأتأة، خلّتني أحب القانون”

بدأت حكاية حنين مع التأتأة منذ الصغر فكَثُر تلعثمها في حديثها مع الآخرين، وكطفلة تتعرض للسخرية باتت حنين تعتقد أن لديها مشكلة في النطق، ومع مرور الوقت زاد خجلها وخوفها من التعامل مع الناس، لتنغلق على نفسها أكثر وأكثر.

في سن السادسة عشرة، بدأت حنين تدرك أن مشكلتها ليست في الكلام، إنما في علاقتها مع الناس أنفسهم، “أجد نفسي أتكلم بطلاقة مع أهلي وأصدقائي، لكن تجدني أتلعثم في خطابي مع الآخرين”، تقول حنين. إدراكها لمشكلتها كان أول خطوة لإيجاد الحلول، والحافز لتسأل من أين وكيف المخرج؟ وإلى متى سيدوم الحال؟

تشغّل حنين التلفاز، ليظهر أمامها ممثلها المفضل، يتحدث عن مشكلته مع التأتأة وكيف تجاوزها. “قلت لنفسي لم لا أجرب ما فعله؟”، “أحضرت مجموعة من الكراسي، صففتها أمامي، وتخيلتهم جمهورا ينتظرون سماع خطابي، مرة على مرة ساعدت نفسي على كسر حاجز الخوف، والتخلص من التأتأة”. حينها تحولت من شخص منعزل إلى شخص اجتماعي، وأكثر انفتاحا.

تحديها للتأتأة والنقلة النوعية لشخصيتها، ساعدتها أكثر لتحدد وجهتها في المستقبل، “التأتأة، خلتني أحب القانون”. ولكن القدر كان  يحمل لها الكثير من التحديات، وكأن تخلصها من التأتأة بنفسها، ما هو إلا تمرين بسيط  لما هو أكبر.


الهندسة ليست لي

تنهي حنين دراستها الثانوية، لتواجه تحديّا آخر وهو التخصص، على الرغم من معرفتها بالبداية ما تريده، إلا أنها اختارت الهندسة. كان وراء ذلك  تعليقات أهلها وأقاربها:“حنين القانون بده كثرة حكي”، “حنين، تنسيش عندك تأتأة”، “صعب تنجحي بهيك مجال”. كل هذه التعليقات والأفكار التي داهمت عقلها، جعلتها تضعف وتختار الهندسة.

بالنسبة لها، كانت أيام السنة الأولى سوداء عديمة الراحة، ” كل الذي أذكره أن يومي يبدأ وينتهي وأنا أفكر بفكرة واحدة، وهي أنّ الهندسة ليست لي”، كل ما شعرت به هو الضياع، ويوميا ازدادت تساؤلاتها عن جدوى ما تفعله، وأن  الجميع “ماشي بالتخصص”، بينما  ظلّت هي  في قعر القائمة.

مرّ الفصل الدراسيّ الأول  وازداد وضعها سوءا لينخفض معدلها التراكمي بشكل ملحوظ. من هنا تبلورت فكرة التحويل في رأسها، بالرغم من رفض أهلها للفكرة واعتباره استسلاما، إلا أن حنين كان لها رؤية أخرى للموضوع، فما تراه هو أنها تبتعد أكثر وأكثر عن حلمها، وأنها لا تنتمي لهذا المكان.

“كان وقتها أكثر مرة كنت عارفة شو بدّي بالحياة”

مثلما واجهت حنين مشكلة التأتأة بقوة إرادتها، ها هي تواجه معركة جديدة بعزيمة وهمة أكبر من سابقاتها، اتخذت قرار التحويل وذلك دون علم أهلها، لتجتاز مساقيّ القانون بتفوق ومعدل عال،  كما أن تشجيع أستاذها “فايز بكيرات” وإيمانه بها وبقدراتها، بددّ كل المخاوف والشكوك التي زُرعت في داخلها.

لكن الأمور لم تكن بهذه السهولة، فمعدلها التراكمي كان العائق الأكبر، وعدم مطابقته لشروط التحويل وضع حنين بين خيارين، أن ترفعه، وبحسب قولها “وبدي سنين لأرفعه”، أو تقنع المسؤولين في دائرة الحقوق بتحويلها.

تجمعت هذه الظروف لتزرع الحيوية في داخلها، وتزيدها إصرارا على ما تريده. “3 أيام متتاليات وأنا فقط أقنع اللجنة بأن تختارني من قائمة الاستثناء وتقبل طلبي”، وبالفعل كانت الطالبة الوحيدة التي تم الموافقة عليها من قائمة الاستثناء. “كان وقتها أكثر مرة كنت عارفة شو بدّي بالحياة”.

 حرمت حنين من فرص المنح والدورات، بسبب تأتأتها في بعض الأحرف أثناء المقابلات، لكن هذه المواقف جعلتها أكثر صلابة وإصراراً، “بالعكس، بتّ أؤمن أن الإنسان يصنع فرصه بنفسه، وعليه تقبل عيوبه والتعامل معها”.

كل خطوة وكل عثرة عرقلتها في طريقها الفائت، كانت الوقود لمسيرة طموحها. فحاليا تكمل حنين دراسة الماجستير في القانون المالي والاقتصادي، وتطمح للمزيد.

ماذا عنك؟ هل عايشت تجربة مشابهة؟ شاركنا حكايتك!